الأحد, 30 مارس 2025
النقد

تطريز الرمز في رواية كشجرة أسقطت أوراقها .. للكاتب المبدع: محمد المغبوب

رواية (كشجرة أسقطت أوراقها) للكاتب محمد عياد المغبوب
رواية (كشجرة أسقطت أوراقها) للكاتب محمد عياد المغبوب

اكتسب الرمز دلالة جمالية عميقة في الرواية، تطرز في أحداثها وشخصياتها الأسطورية وأماكنها الخيالية فقادت القارئ إلى رحلة ممتدة بالأحلام والآمال والأماني العظيمة لبناء الأرض والطبيعة قبل الوقوع في الوحل والأوهام.

 اشتمل الرمز على العنوان، الشخصيات، الأحداث، المكان الزمان، ونسج الوصف مترابطا بحلقات الصور الخيالية وكانت الرواية مزيجا بين الحقيقة والخيال لا يستطيع القارئ التخلص من صفحاتها حتى النهاية.

تأخذنا الرموز إلى إيقاعات السرد الروائي ونذكر منها الآتي:

أولا – تطريز الرمز في عنوا ن الرواية ومداخلها:

ظهرت جمالية الرواية في الرؤية البصرية للغلاف الذي شكل رمزية واسعة تدل على مفاتيح أبواب الرواية وأسرارها السردية، هل أشار الروائي إلى المرأة في العنوان (كشجرة أسقطت أوراقها) واستخدم الرمز بالهزيمة أو الشيخوخة وفوات الأوان، ولكن الشجرة قد تعني الحياة، المرأة، الدولة، والإمبراطورية وغيرها  

تنطلق رمزية الصورة البصرية التي تمثل سيمياء العنوان وعلاقتها بالمضمون والعناوين الفرعية التي تخدم النص الروائي.

جاء العنوان رمزا للمملكة أكاكوجاج التي تصارع أهلها من أجل سلطة المكان والوصول إلى الحكم وكانت المرأة الدائرة الأولى التي ترغب في حكم المملكة واتقنت لعبة الدهاء والدسيسة للوصول إلى غاياتها، امتزجت الصورة بخلفية منظر الغروب رمزا للسقوط والنهاية، وعند قراءة العناوين الفرعية تأخذنا الرواية إلى الشخصيات الأسطورية التي تطرز رمزية الحدث والسرد والمكان في أغلب أرجاء الرواية.

أول الهامش، الهامش الثاني، المتن، حفلة حرب، عودة أنوش، الجهة الأخرى، الحفدة، الخروج، قبل المولد، وأضحت العناوين الفرعية تسرد التفاصيل برمزية خلابة عند المتلقي ترسل إشارات الخير والشر، الحق والباطل، الحب والكره، الصدق والكذب، القسوة والمرونة، الشهوة والعفة، أدم، حواء، السحر وغيره طرزت العناوين بتقنيات سردية عالية الجودة بكلماتها وأساطيرها وبداياتها ونهاياتها الرمزية القيمة.

ثانياً- تطريز الرمز في الشخصيات الأسطورية

افتتح الكاتب روايته بالأساطير القديمة ذات الرؤى العميقة التي تعتمد على فلسفة الحياة والأرواح الشريرة المحطمة للسعادة الإنسان قائلا:

(تقول الأسطورة أن واحدا من الأبالسة أقام للشياطين وليمة باذخة للبحث عن طريقة لإخفاء أثمن ما يبحث عنه الإنسان)

ظهرت الرمزية في أشكال كثيرة في شخصيات الرواية منها شخصيات تظهر وتنتهي دورها بسرعة كشخصية كبير الشياطين ،العرافة، يوهان ، تحركت الشخصيات بقوة داخل الرواية وأدت دورها في استقطاب القارئ إلى السرد وغايته في عرض الرؤى الشيطانية لهم، وعمق تطريز منابت الشر في رؤوس البشر وسرقة السعادة والبحث عن شقاء المخلوقات البشرية برمزية واسعة في الرواية مزجت بالخيال تارة  وبوميض الواقعية تارة أخرى وبأحداث خيالية عدة مرات مليئة بالمغامرات الرمزية التي تصور نماذج بشرية تبحث عن منافذ القوة قبل ظهور أكاكوجاج على ساحة المعركة( اقترح أحدهم سرقة ثروته) وآخر (سرقة عقله)وارتفع الحوار بين الشياطين وعند وصول الشيطانة فاستقرت الشخصيات على رأيها  (فقامت شيطانة شمطاء ترى أن السعادة هي الهدف المثالي والنهائي لكل إنسان، واقترحت سرقة السعادة من كل إنسان) وتطرز الرمز بحضورها وتغير الحال ووافق إبليس وسرقت السعادة

هذه الفلسفة الرمزية التي تشير إلى الإنسان؛ وهو يبحث عن السعادة فلسفة عميقة أخذت من تفكير البشرية منذ القدم.

شخصية العرافة:

مكانها في المملكة أكاكوجاج تسكن القصر وتقدم الأوامر لأهله لعبت دورا كبيرا في حياة الملكة وبدأت تغزل المؤامرات والسحر والشعوذة داخل المملكة وخارجها دون أن يشعر أهل القصر بذلك، سكن السحر داخل بيوت المملكة ونسج الروائي حركتها ونشاطها مع الملكة وحراسها وبقية الشخصيات وكانت رمزا للعادات والتقاليد الذي يسيطر على المجتمعات وتقع في قائمة التبعية ودور العرافة حجب الحقيقة عن أهل المملكة(العرافات والكهنة والذين يسحرون أعين الناس في تلك البلاد، يعتبرون أن قابيل لم يمت)استمر الكاتب يطرز الرمز الأسطوري بدلالات سردية ورؤى جذابة تشد القارئ بقوة الأحداث وتعدد الشخصيات القريبة والبعيدة في المملكة

وظهرت شخصيات أخرى تعبر عن رمزية الأجيال تحيط بالمملكة وتبث الصراعات المتعددة حول المكان باختلاف الزمان وكانت الشيطانة تظهر بصور مختلفة تتمثل في شخصية وجه القمر،( صار في المملكة تغييرا جديدا في مساحة دائرية ضمت ( الملكة وصقر الأماسي وابنهما زد ووجه القمر وابنها أنوش وسيفال وأكاليل) دائرة ليست للعمل بل هي للعب باقتدار شديد )وتطرز ت الأسطورة برمزية خلابة تمثلت في قصص الحب والزواج والغدر والبقاء في المكان لأنه رمز السعادة الملكية وصارت الأحداث تتصاعد نحو تحقيق السعادة حتى الموت من أجل المملكة اكاكوجاج، بينما يشعر القارئ من وراء السطور ملامح الطمع في أبشع صوره، وكانت المرأة هي مسرح الرمز وتطوره في الأسطورة، المتمثلة في الملكة وأعوانها.

تطريز المكان في الرواية

المملكة أكاكوجاج:

كانت أكاكوجاج  رمزا للسلطة المكانية التي تحكم في أفراد المملكة (أكاكوجاج ليست إلا حضارة قامت لها ما لها وعليها ما عليها) في المملكة تتحرك الشخصيات وتوظيف الخوارق والمعجزات الأسطورية داخل الرواية، تتلاعب الحكايات  والخرافات القديمة والحديثة فقدمت أكاكوجاج رحلة البشر الذين يبحثون عن السعادة واستطاع الكاتب أن يحرك شخصياتهم بمختلف مداركهم ووعيهم ومستوياتهم أن تحضنهم المملكة في حزنها وفرحها.

أضحى المكان رمزا للتاريخ القديم وصورة للحاضر وعظة وعبرة في المستقبل(حدث مثل هذا في أزمان غابرة ربما لم تعلمها أكاكوجاج كما حدث بعدها في سبأ وثمود والفراعنة وغيرهم حيث يبدأ الأمر هنينا ثم يتعاظم ويستحيل تصغيره).

جعل الكاتب المكان مضيئا يجلب الحاشية نحوه في بداية الرواية وطرز بوادر القوة ومظاهر النعومة داخل المملكة وانتشرت الجهل والرذيلة بينهم وكان الجهل يعم المملكة عدا العرافة الأنيقة التي ترسم حياتهم بخطوات واثقة واتصل المكان بالزمن وتغيرت الشخصيات الملكية وانحدرت المملكة نحو السقوط (أكاكو جاج)(شغلت السكان وتوارثتها الحضارات التي أعقبت أكاكوجاج غير أن المملكة وهي قد شغلت بها صارت تتراخى أولا، ثم تترهل ثانيا فقد بلغت من العمر عتيا ولم تنتبه الابعد عدة أعوام)، وكان المكان حافلا بعلامات الرمز داخل الرواية ، وعبر عن تاريخها واستند على ذكر الأولين من الأمم في مواضع كثيرة.

في الرواية العديد من الإشارات الرمزية، التناص ،الاقتباس من الآيات القرآنية، والعبرة من القرون الماضية، قصص الأولين نحو قابيل وهابيل وغيرها مزجت بالتاريخ الأسطوري وضمنت مع السرد والوصف وبالصور الخيالية،  فكانت رواية مملكة أكاكوجاج تتألق في مكانها قبل أن تصبح كشجرة أسقطت أوراقها.

مقالات ذات علاقة

الروائي مؤرخاً.. رواية (يا فاطمة الجبل) للدكتور محمد سعيد القشاط (أنموذجا)

المشرف العام

اللقيط يواجه المجتمع في (الرسالة)

يونس شعبان الفنادي

من غرائب جنوب ليبيا (كاف الجنون) (2)

عبدالعزيز الصويعي

اترك تعليق