رواية (غياهب الحي المقابل) للكاتب حسن أبوقباعة المجبري
سرد

غياهب الحي المقابل

 رواية

 

الفصل الأول

 غلاف رواية_غياهب الحي المقابل

1 الممددون في الأرض

***هرج ومرج وكلمات متناثرة من حناجر الجموع المكتظة.

… البعض يقف في صف متراص طويل ثابت والآخرون يتدفقون عليهم متمتمين ببعض الكلمات الحزينة:

“عظم الله أجرك” “البركة فيك” “البركة في سيدنا محمد علية السلام” … “العزاء واحد … المصاب  واحد”.

… كانت هذه هي الكلمات المتناثرة والمتداخلة في ذلك اليوم الحزين…

جمع كبير من الناس المختلفين في كل شي بدء بأعمارهم وانتهاء بثيابهم والتي عكست مستوى معيشة وحياة مرتديها في ذلك اليوم من ذلك الصيف.

… وكاختلاف أصابع اليد الواحدة كان الجمع المكتظ مختلفا في كل شئ.

… حركة أدمية مختلفة ! سلام وتحايا مختلفة ! طريقة تحدث مختلفة ! ولكنهم كانوا قد اتفقوا فقط في شيئين في ذلك المكان والزمان.

الأول : هو الحزن العميق الظاهر على الوجوه والذي زادته حرارة الشمس الملتهبة مسحة قاتمة وظهور علامات الشعور بالتعب والإرهاق.

والثاني: هو دخولهم المكان المهيب إن عاجلا أو أجلا ..

… تدفق الجمع المتلاحق من  ذلك المدخل الضيق والذي يزداد اتساعا تدريجيا كلما تقدم الداخلون من خلاله…

… وعندما دخل الجميع انقسموا تلقائيا إلى ثلاث مجموعات:

* مجموعه أخذت ذلك الشئ المحمول من على الأكتاف وانزلوه ، ثم اسكنوه البيت الجديد،  والذي كان صغيرا جدا !… منتظرا بشغف حضور قاطنه الجديد.

كان القاطن الجديد ممددا بتواضع قصري داخل ذلك الصندوق  الخشبي ولايدرى مايجرى من حوله في تلك اللحظات …

انزلوه من على الاكتاف … ادخلوه الحفرة ، ثم اقفلو ا عليه الباب بعناية وأعطوه رقما !؟  كان الرقم الأخير في تسلسل أرقام الموتى في تلك البقعة  من الأرض.

* مجموعة أخرى وقفت متراصة في الخلف منتظرة متضرعة إلى الله بصوت منخفض وأيديهم متوجهة إلى السماء.

* المجموعة الأخيرة … وقفت  في صفا متراصا لايكاد  ينتهي … منتظرين قدوم الآخرين لإنهاء ذلك العمل التقليدي في ذلك المكان …

… وبمجرد اقتراب ذلك الجمع من بداية الصف الطويل تصاعدت الأصوات وتداخلت وامتزجت في كلمات حملت معاني التعظيم والاجلال ونهاية الآجال.

… كان هذا هو المشهدالاخير لمراسم تلك الجنازة المهيبة في ذلك اليوم الحزين.

… وما أن انتهت مراسم الجنازة الأخيرة في بداية ذلك الصيف ، وانصرف الناس بحلول الظلام التدريجي حتى ظهر  للممددين القدامى شبح الممدد الجديد.

تنبه أشباح الممددين القدامى للضيف الجديد … فأشاروا إليه بالجلوس قرب شبح الممدد الأول … ليقوم بأداء واجبه المعتاد وتوضيح الروية والصورة للممدد الجديد في كل مرة … وتعريفه بالمكان … وقاطنيه الأشباح.

… جلس الممدد الجديد كئيبا ، مذهولا ومندهشا دون أن يتفوه بكلمة ، واخذ يتجول ببصره داخل تلك المقبرة العتيقة المخيفة.

أشجار غريبة ذات أوراق خضراء كثيفة مختلفة الأشكال والأحجام … جذورها اندست في القبور لتمتص غذائها من الأجساد الممددة …

شواهد تحمل أرقاما متسلسلة ، أو عناوين الموتى  … قبور متراصة في كل مكان … ازدحام شديد لتلك القبور في تلك البقعة … أنواع وأشكال مختلفة لكل القبور … البعض منها كان اثرياً ، والبعض الآخر قديم … قبور كانت متهالكة  … وهناك الفاخرة وأيضا الحديثة.

… وكان صفير الرياح الشديدة وكأنه ناي يعزف بين الحين والحين لحنا حزينا لم يعزفه احد من قبل ، ولا من بعد ، حتى “بيتهوفن” وهو فى أوج مجده الفنى وقمة وذروة إبداعه … لحن ينساب من بين ثنايا القبور.

كانت بعض القبور تحمل في ثناياها رموزا ورسومات وطلاسم ، لا يستطيع اى عالم فكها ، أو فهمها بسهولة ، أو ترجمة ما تخفي من أسرار ومعان ، وكانت تحمل  أشياء تتطاير وتتقافز في  كل مكان.

حل الظلام في الليلة الأولى ، والضيف الأخير لايزال جالسا على هذه الحال.

تزينت السماء بالنجوم ، وظهر ضوء السيد … سيد كواكب السماء … ضوء البدر.

ما الذي كان يحدث تحت ضوء البدر ؟، وما تلك الدوائر والمواضيع التي كان يثيرها هولاء الموجودون في تلك الدوائر والحلقات.

تسأل الممدد الأخير: .. في ذهنه الميت  ..

وقال: “هل تكون العفاريت؟”

نعم وبكل بساطة الأشباح … أشباح تلك الأجسام والهياكل الممددة في هذه المقبرة حيث كان لا يمر يوم على المقبرة … إلا وتستقبل فيه مجموعة من الموتى الجدد.

والإقامة دائما قسرية … فلن يغادر أحد في انتظار يوم الحساب.

والوقوف أمام وجه الرحمن .. سبحانه وتعالى.

“صاحب القرار”.

… لكن هذا اليوم كان مختلفا ، لقد حدث شئ غير مألوف في هذه المقبرة … لقد استقبلت ضيفا وحيداً في إحدى زواياها.

والذي بقدوم ظلمة الليل سوف يكتمل القمر استدارة ، ويظهر بدراً … كان الضجر والملل سائدين في تلك المقبرة … ولا توجد أشياء خاصة بالترفية مثل تلك الأشياء التي تركها خلفه في البيت من جهاز مرئي … وهاتف خلوي ، وأجهزة الترفية المختلفة التي تزيح عن الإنسان كل أجواء الملل والضجر ، وكل شي اخترعه (اليابانيون) كان رائعا وجميلا … إنهم فاكهة الحياة الد نيا ؛ لكونهم أكثر المخترعين لأجهزة وأدوات الترفية في العالم في ذلك الوقت…

” لايوجد كاس عالم لكرة القدم … !”

قالها الممدد الأخير ، واصطحبها بزفرة عميقة أظهرت ما كان يجيش في صدره من حزن وقلق كبيرين … لاتوجد أشياء لتمضية الوقت هنا إلا الأحاديث … وتحت ضوء القمر فقط يتم سرد حكايات وأخبار الحي المقابل. الذي يعج ويضج بالحياة .. إنها طعم ولذة الحياة .. إنها الدنيا خارج أسوار المقبرة العتيقة.

انتبه الممدد الأخير إلى وجود شبح الممدد الأول خلفه منذ قدومه منتظرا بداية عملة المعتاد ، وهو الرد على أسئلته .. لكونه الضيف الجديد والأخير…!!

– قال شبح الممدد الأخير :

وكأننا وقعنا في مصيدة .. دخولها مسموح والخروج منها  يبدو ممنوع.

– رد شبح الممدد الأول:

بالضبط بابني .. لقد نطقت عين الصواب.

– قال شبح الممدد الأخير:

لم أتشرف بمعرفتك ياسيدي ، هلا عرفتني عن نفسك بالله عليك؟.

– قال شبح الممدد الأول:

بالممدد الأول .. نادني بالممدد الأول.

– وأضاف:

لأننا هنا نسينا أسماءنا ، ولانعرف كيفية التمييز فيما بيننا إلا بالأرقام التي منحها لنا القائمون على هذه المقبرة .. إنها طريقة مجدية وجيدة … حيث لن تتشابه الأرقام أبدا.

– قال شبح الممدد الأخير في قراره نفسه:

باه .. أرقام وقبور .. وأشجار عالية .. وكثيفة وطلاسم ورموز وأشياء وأجسام بيضاء تتطاير .. إنه لمكان عجيب ورهيب.

حلقات دائرية من الأشباح الجالسة ، والآخرى بقربها واقفة ومنتشرة في كل مكان حول القبور..

 يا الهي ماهذا المكان المخيف …!؟

صرخة خرجت من داخل أعماقه كشفت عن خوفه واندهاشه وبؤسه الشديد.

كانت أجساما لأشباح متطايرة بأكفان بيضاء … وكأنها أجسام طيور النورس البيض القادمة من كل أرجاء المعمورة لالتقاط شئ ما من هذا المكان الموحش..

“… انظر يا الهي من تلك الفتاة الفاتنة الجالسة هناك بثيابها الناصعة البياض وكأنها في ليله زفافها!؟.

يا الله حتى هنا توجد أشياء جميلة … تدعو للتأمل  والإلهام!.

– من قال أن هذا المكان مخيف وممل!؟.

– من قال أن هذا المكان يفتقد للترفية  والانسجام!؟ .”

– قالها الممدد الأخير في قراره نفسه.

– قال شبح الممدد الأول:

 لاتتسرع وتمني نفسك بقضاء أوقات  عاطفية جميلة هنا يا ولدي.

 – وأضاف :

لأنه يا ولدي وبمجرد ظهور الصباح سوف يمحى من داخلك هذا الشعور الوردي الجميل ..  وتصبح كبقية هؤلاء الممددين ..  في كل شيء.

– قال شبح الممدد الأخير:

وا أسفاه .. لم يكن ذلك في الحسبان.

ولكن لا يا سيدي .. هذا لايمنع من أن تحدثني عنها ، فإن وجودها فى هذا المكان شيء يدعو للاستغراب والدهشة.

– قال شبح الممدد الأول:

أجل يأبني سأفعل ذلك وأحدثك عن هذا الشبح الجميل وغيره من أشباح، وعن أي شيء آخر تريد أن تسألني عنه..

– وأضاف:

وألان لايوجد متسع من الوقت فقد قارب الصباح أن يأتي فاذهب وتمدد في مقرك. وفي الصباح سيكون لنا شان أخر.

يتبع

________________________________________

فصول الرواية

1- الممددون في الأرض

2- الحي المقابل

3-  دوائر الأشباح

4- تخاريف في عقل مريض

5- مقاعد الدراسة

6- الشيخ عمران

7 – المحاكمة

8- اقتران ورحيل

 

صدرت عام 2005 بمطابع جمهورية مصر وصودرت بمنفذ السلوم

مقالات ذات علاقة

مقطع من رواية (صندوق الرمل)

عائشة إبراهيم

رواية: اليوم العالمي للكباب – 9 (الأخيرة)

حسن أبوقباعة المجبري

رواية: اليوم العالمي للكباب – 3

حسن أبوقباعة المجبري

اترك تعليق