تغريدة الشعر العربي
الشاعرة والكاتبة السعودية د. هيفاء الجبري – 1982 م.
لو كتمتُ الحياةَ في القلبِ حتمًا
سوف تبدو بما تَخَفّى حياةُ
ليست المعجزاتُ فيما نراهُ
بل بما لا يُرى بنا معجزاتُ.
—-
أخذ الشعر من حياتي كثيرًا
ليته يمنح الذي أعطاه
وأنا في سطوح ذكراه أثوي
كنت قد عشت حرة لولاه
شر إحساسي العظيم يغني
وأنا أنسخ الذي غناه..
( من قصيدة: شعر المبكى )
أليست هي القائلة:
إنهنّ الخيالُ من حيثُ يجري في ذُهولٍ على ضِفَافِ الحكايا إنهنَّ الـمُقَدَّماتُ لصَمتِ الليلِ كيما يَظَلْنَ فيهِ خبايا عَرَفَ الليلُ كَنْهَهُنّ فأهداهُنّ دمعًا ليقتسِمنَ الهدايا.
نعم للشعر السعودي مذاق وطابع خاص ولِمَ لا وهو مهد القصيدة العربية الأولى منذ النشأة الغنائية الأولى وبدايته، ومن ثم نلاحظ أن الشعر النسائي بدأ يتربع على أريكة أسواق الشعر في عصرنا المعاصر، وقد تبوأت المرأة السعودية بجانب المرأة العربية وتصدرت الساحة العملية والعلمية والأدبية وذلك في كافة مجالات الثقافة الأُخرى..
وشاهدنا عناصر نسائية متنوعة ومشرفة بالتأكيد هذه إضافة إلى المشهد والتحولات الحديثة من خلال تجربة ذاتية رائدة للتعبير الذاتي والمجتمع، ومنهن د. هيفاء الجابري التي لها بصمات مضيئة على معطيات الساحة تعكس مدى الحرص على تقديم إبداعاتها المتنوعة.
ولذا تلاقى المُتلقي مع إنتاجها الجيد الذي يحصد ظلال الحياة هكذا..
* نشأتها:
ولدت الشاعرة والكاتبة السعودية هيفاء عبد الرحمن الجبري عام 1982م، ومقيمة في مدينة الرياض.
حاصلة على ماجستير في الترجمة (لغة إنجليزية) من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
• بكالوريوس في الترجمة (لغة إنجليزية) من جامعة الملك سعود. = إنجازات الترجمة:
• ترجمت إلى العربية الفصل العاشر من كتاب («( Zen in the Art of Writingالزن في فن الكتابة» للكاتب راي رادبيري وصدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون في العام 2015 • – ترجمت إلى العربية رسالة دكتوراه بعنوان «نقد نظرية المدار: إعادة رسم خارطة النظريات الغربية حول أصول الشريعة الإسلامية» للأستاذ الدكتور فهد الحمودي- تاريخ الإصدار: 2014 م.
• ترجمت عدة مقالات من الإنجليزية إلى العربية.
* الإصدارات:
• «تداعى له سائر القلب» ديوان شعر من إصدارات النادي الأدبي بالرياض 2015 م.
• «البحر حجتي الأخيرة» ديوان شعر من إصدارات مؤسسة الانتشار العربي 2016 م.
• «الصدى يخرج من الغرفة» ديوان شعر من إصدارات دار تشكيل 2020 م.
* الجوائز:
• جائزة الأمير عبد الله الفيصل للشعر العربي فرع القصيدة المغناة 2020 م.
= ولها تجربة رائعة في موكب القصائد المغناة في الوسط العربي منها عن ( هوى نجد ) تستحضر ملامح البيئة والشعراء منذ أسواق الشعر والتغزل بنجد في رحاب المجتمع البدوي قديما والنسيم يغمر الآتي فتقول في هذا المقطع:
أنا نجدُ لو أني حفرتُ بصخرها لملأتُ جلَّ دلائها من صخرِ نجديةٌ فوضتُ صحرائي لما يكفي لبثِّ رمالِها من شعرِ لا سِرَّ في رملي ولكن هكذا تبدو الرمالُ حكايةً في صدرِ البدوُ تلك صدورُهم آثارُهم وقعُ الصدور على رمالِ العمرِ من في هوى نجدٍ أسرَّ فؤادهُ ومضى كأن فؤادَهُ لا يدري.
وقصيدة أخرى بعنوان ( دمشق ) مغناة تحكي فيها عن الجمال والتاريخ والمعاناة:
مِنهُ دِمَشْقٌ ومِنِّي زَهْـــــرةٌ سَقَطَتْ فليسَ بعدَ دِمَـــشْقٍ ما أُقَدِّمُهُ أصْبَحْتُ عاشِقـةً في النَّهرِ صامِتَةً والصّمْتُ من بَرَدَى لا ينْتـَهي فَمُـهُ يا قُبْلَةً ضُيِّقَتْ عنها شَوارِعُها النَّهرُ دُونكِ والأزهارُ تَعْصِمُهُ حلِّي بهِ كيفما شاءَ الهوى فهُنا كانَ الهوى مَلِكًا والماءُ يُلهِمُهُ.
= ومن ثم حازت على جائزة الأمير عبد الله الفيصل للشعر العربي فرع القصيدة المغناة 2020 م.
* مختارات من شعرها:
تقول شاعرتنا د. هيفاء الجابري في هذه القصيدة التي تحاول مزج وحدة فلسفتها الجمالية مع أصداف البحر في عزلة المتأمل بين المرافئ والأمواج في شكاية تذكرنا بقصيدة المساء عند إيليا أبي ماضي وهو في حوار مع البحر عند الغروب، وهى تترنم في نوبات عشق في صور شفافة تختصر الحدود حتى تصل الى مرفأ هجرة الطيور والعودة بعد طواف حول الرؤى في رمزية واستخدام المفردات التي تُوحي لنا بظلال الواقع ورسم صورة خيالية جمالية تستدعيها بمقوماتها:
وَحْدَها لم تزلْ تُقدِّمُ للبحــــرِ
شَتَــاتًا وعُزلةً واحـتراقـــــــا
وَحْدَها ألَقَتِ المرافئَ في الـمـوجِ
فــصَارتْ بـطيِّهِ أوراقــــا
لم تزلْ تَنتَهي وما للنهاياتِ
ضِفافٌ بوَجهِها تَـــــــــتَلاقى
عِمْ أسىً أيُّها العريقُ من الملحِ
لقد كانَ حُجّةً أن تُذاقا
*
حيثُ يُروى عن المحارةِ أنّ
البحرَ قد كان مرأةً ذاتَ حُرقةْ
يقفُ العاشقُ المعتَّقُ فيها
كمسيحٍ لكي يُباركَ عِشْقَهْ
نَزَلَ الليلُ كالقبيلةِ رجمًا
إذ رآها بنارها مُنْشَقّةْ
أخذ النَّجمَ في يديهِ وألقى
بينما كانتِ المحَاراتُ فِرقَةْ
أغرقَ الأغنياتِ شيًئا فشيئا
ونمى كالصِّراطِ والماءُ فوقَهْ
هكذا صارتِ الذُّكورةُ بحرًا
جاء في غيّهِ من الموتِ زُرقَةْ
*
هل سمعتَ البحارَ تذكُرُ يومًا
كيف جاءتْ قبائلُ الإغراقِ؟!
كيف صارتْ بواطنُ النارِ ماءً
كيف ماتتْ فضيلةُ الاحتراقِ؟!
أقسَمَ البحرُ للحِكاياتِ أن لا
عنهُ تُروى جنايةُ الأعْراقِ
كُلما اللّيلُ حرَّكَ الماءَ سرًّا
جاءَهُ حارسٌ من الأعماقِ
*
طلعَ البحرُ من ذهولٍ عليها
وهي تَبني رَمَادَها والغَرقى
كلُّ ما في اليدين ريحٌ وروحٌ
بالمتاهاتِ تُكملانِ الخَلْقا
وعَصَاهُ التي تبخَّرُ آياتٍ
وقد كانَ شاهدًا إذْ ألقى
قابَلَتهُ برحلةٍ من عيونٍ
طَالما كانَ حُلْمُها أن تَبْقى
“أتُرى الماءُ أم هي النارُ” قل لي”
“أيُّ هذين كانَ قَبْلَكَ خلقا”؟!
سَكَنَ البحرُ قيل للبحرِ: “واها”
هل ْكتمْتَ المحارَ إلا لتشقى؟!
*
أيُّها الواعِدُ الشراعَ طريقًا
هل ترى شِرعةَ الحُطامِ طريقا؟!
صَدْرُها كالطّيورِ يحلُمُ يومًا
أن يكونَ الـمُهاجرَ الصِّدِّيقا
الرِّمالُ الشريفةُ الآنَ تتلو
“وسِعَ البحرُ كلَّ شيءٍ ضيقا”
وهي تتلو صدى الرّمالِ يقينًا
أنّها لا تزالُ صمتًا عريقا.
*
وتقول هيفاء الجبري في قصيدة أخرى بعنوان ( تفاحة في الخيال ) حيث تسترجع قصة التفاحة في العصر الحديث وإقامة الحد على الخطيئة في حوار يمزج روح الأصالة مع جمال الحاضر في دفقة شعورية لها مدلول من هذا الطرح المتعرج لمصدر القوة المتمثل في طغيان الماء وحريق النار والشهوة والاحتلال والحزن والعقاب:
النار التي تقتل الشجر يقام عليها الحد بالماء، فوق كل قوي يوجد ضعيف هو أقوى منه لا تزال هنالك تفاحةٌ تتجرأُ أن تتمدّد فوق الظّلالْ لا يزال الشِّجارُ على الظّلّ قيدَ تنازلِ غضنٍ عن الاحتلالْ لا تزال يدٌ “ما” هنالك تدفعُها شهوةُ الجور أن تقلعَ الأرض من جذرها بذريعةِ أن أبصَرتْ خَطأً في الرمالْ لا يزالُ من الأرض يخرجُ وفدُ شياطينَ كي يعلنوا أن في باطنِ الأرض مملكةً من شياطينَ جاهزةً للقتالْ لا تزالُ هنالك فلاّحةٌ تقسم البذرة المشتهاةَ لشقين: شقٌّ لأبنائها في القبور وشقّ لتفاحةٍ في الخيالْ.
*
ونختم لها بهذه القصيدة القصيرة التي تلخص لنا عبقرية القضية والواقع في تنظير وإسقاط لكل ما حولنا فتقول د. هيفاء الجبري:
إنْ متُّ باعوا قصيدي
وأصبحَ ابني ثريًا
ابني الذي يشتمُ الشعرَ
حينما كنتُ حيًّا
ابني الذي اتخذتهُ
فتاتُهُ سخريًّا
إذ كانَ يُهدي إليها
قصيدةً من يديًّا
وكانَ يشكو صدودًا
وكنتُ أصغي مليَّا
الآنَ عجّلتُ موتي
وصار قبري وليًّا
وعدتُ لابني حبيبًا
وجاءَ يُفضي إليّا
يقولُ لي أنجبَ ابنًا
كجدِّهِ شاعريًّا
15 نوفمبر 2023م.
وبعد هذا العرض لسيرتها وإنتاجها وقصائدها التي تعد من عيون الشعر النسائي السعودي فقد تناولت فيها أغراض متنوعة وطنية واجتماعية ورومانسية وحول جمال البيئة والتراث والنزعة الدينية كما تغنت في قصائدها المعناة من هوى نجد حتى دمشق في استحضار معالم المدن العربية.
فتحية اعزاز لشاعرتنا هيفاء الجبري في مشوارها التنويري فهي مترجمة وباحثة ولها حضور في الملتقيات والمنتديات وسط الحركة الأدبية والثقافية دائما.
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي إن شاء الله.