الطيوب
انطلقت صباح الأمس الأحد 20 أكتوبر 2024م، بقاعة المجاهد أحمد الشريف السنوسي، بمدينة بنغازي، الفعاليات الرئيسية للاحتفال بالتشكيليين الليبيين، التي تنظمها الجامعة الليبية الدولية، في النسخة الثانية من (قامات من بلادي).
الفعاليات الرئيسية للاحتفال، بدأت بندوة (إضاءات في مسيرة التشكيل الليبي)، التي التأمت بحضور مجموعة من التشكيلين الليبيين ومن المهتمين بالشأن الثقافي.
افتتح الندوة، الدكتور السنوسي الطاهر، بكلمة رحب فيها بالحضور، معرفًا بالنشاط، ومن بعد قدم مدير الندوة، الشاعر رامز النويصري، الذي افتتح الجلسة الأولى بكلمة رحب فيها بالحضور، ومستعرضا المناشط المصاحبة للاحتفالية، ومعرفا بموضوع الندوة والمشاركين. وقبل البدء في تقديم الورقاء، استذكر النويصري الفنان التشكيلي صبري سلطان الذي رحل عن دنيانا قبل يومين، مستمطرا شآبيب الرحمة عليه، طالبا قراءة الفاتحة على روحة الطاهرة.
في الجلسة الأولى شارك كل من الناقد منصور أبوشناف، والدكتور نورالدين سعيد. ففي ورقته المعنونة (رواد الزمن الصعب)، تناول الناقد منصور أبوشناف، معنى الريادة، وحدد إن الفن التشكيلي في ليبيا، بدأ لحظة انفصال الفن عن وظيفة تزيين السلع، إلى سطح اللوحة. مشيرًا إلى أن العهد العثماني الثاني يعتبر بداية هذا التحول أو الانفصال، الذي تأكد مع دخل الإيطاليين إلى ليبيا، ورعايتهم واقتنائهم لأعمال التشكيليين الليبيين، ومعه تأطرت اللوحة الفنية من خلال الرؤية الأوروبية من الشباك. وأشار أبوشناف في ورقته، إن الريادة الفنية في ليبيا كانت مسجلة باسم الرجال، بالرغم من إن المرأة كان المنتجة للفنون من خلال التزيين والغزل، لتعود لممارسة الفن تسعينيات القرن الماضي مع إنشاء كلية الفنون الجميلة، بعد أن كانت موضوعا للوحات الرجل.
ومع محاصرة الوقت، اختصر الناقد منصور أبوشناف، ما تبقى من ورقته، في مجموعة من الملاحظات أهمها إن الفن التشكيلي في ليبيا لم ينشأ في تيارات أو مدارس، وغياب دور المؤسسات والعمل الفرداني.
ورقة الدكتور نورالدين سعيد، جاءت بعنوان (بواطن المغزى في اللوحة الليبية التشكيلية المعاصرة)، وقد افتتحها بتعريف المغزى، واستخدامه كأداة لقراءة اللوحة التشكيلية الليبية، وإن اللوحة ليست مجرد تعبير سطحي، إنما مجموعة من الدلالات والأبعاد تمنح اللوحة عمقها.
ومخافة حصار الوقت، اكتفى الدكتور نورالدين بعرض نموذجي من مجموعة النماذج التي عمل عليها في ورقته. النموذج الأول كان أحد لوحات الفنان محمد البارودي، أما النموذج الثاني فكان أحد أعمال الفنان صلاح الشاردة، وقد تناولهما الدكتور نورالدين بالتحليل من خلال المغزى.
بعد انتهاء عرض الورقات، فتح مدير الندوة الشاعر رامز رمضان النويصري الباب للأسئلة والتعقيبات. أولى التعقيبات كانت للناقد طارق الشرع، التي علق على ورقة الدكتور نورالدين سعيد أنه لم يقتنع بالنماذج التي تم استعراضها. من بعد جاءت مداخلة الفنان تامر العلواني، الذي أشار إلى أن الفن هو أحد أدوات التدوين بالتالي لا علاقة بالانفصال، ليختم مداخلته بالتعليق على مسألة الحداثة ومعيار الحداثة عندنا العرب، التي تعني الرجوع للماضي.
في مداخلتها سألت الدكتورة عبير امنينة؛ لماذا القطيعة بين المجتمع والفن؟ ثم ألحق هذا السؤال بتوصية للجامعة الليبية الدولية باستحداث كلية جديدة تختص بدراسة الفنون. المداخلة التي تلتها كانت من نصيب الدكتور نجيب الحصادي، الذي أشار إن المعرفة هي أحد مصادر المتعة، كمدخل لسؤال: هل يمكننا تعريف الفن بأنه لحظة انسلاخه عن الحرفة، الفنان أيضا بعض فترة يتحول إلى حرفي!
الكاتبة ميسون صالح، سألت: هل الفن هو محاولة إرضاء الآخر؟ ثم علقت على ما قاله منصور بالقول: الذئب لوحده أكثر حرية، والمرأة مازالت موضوعا للوحات الرجل!
الدكتور محمد سعد، في مداخلته ركز على سعي الجامعة لمحالتها على الانفتاح على الأخر من خلال الانفتاح على الذات، بهدف الانفتاح الثقافي. من بعد طلب الفنان التشكيلي رمضان أبوراس الكلمة، مشيرا إلى وجود أعمال فنية او تخطيطات تعود لزمن الرواد. لتكون خاتمة التعقيبات مع الفنان محمد الفرياني، الذي أشار إلى ريادة بعض الأسماء، ودور الجالية الإيطالية في الاهتمام بالفنون، خاتما مدخلته بالتعليق على النماذج التي اختارها الدكتور نورالدين في ورقته.
بعد ردود أصحاب الورقات، رفعت الجلسة الأولى، لفترة استراحة.
الجلسة الثانية، جاءت بمشاركة كل من الأكاديمي والباحث والمترجم الأستاذ السنوسي استيتة، وورقته المعنونة (فلسفة الفن القورينائي)، والفنان التشكيلي والناقد عدنان معيتيق، وورقته التي جاءت بعنوان (تجربة الفنان رمضان البكشيشي).
في ورقته، عاد بنا الأستاذ السنوسي استيتة، إلى القرن الخامس قبل الميلاد، الحقبة القورينيائية، بالتعرف إلى أريستوفيس القرويني، صاحبة فلسفة اللذة، المنتجة للفنون، متتبعا هذا الأثر حتى عصر النهضة من خلال مجموعة من النماذج لشخصيات ولوحات فنية استعرض فيها استيتة الكثير مما خبأت وما توارى حولها من حكايات وأساطير.
أما الناقد عدنان معيتيق، فتناول في ورقته تجربة الفنان الراحل رمضان البكشيشي، معرفا باهم ملامح تجربته الفنية، وخاصة تجربة رسم البورتريه، ملمحا أنه وهو يقدم هذه النماذج كان يقدمها بأسلوبه الخاص، التي حتى وإن قدم من خلاله بعض الشخصيات ذات الحضور المجتمعي إنما كان يقدر ما تحمله هذه الوجود من اثر في المجتمع، مؤكد إن البكشيشي رحمه الله يعمل في مناطق الفن الطازجة، بنمط أقرب للتعبيريين الألمان، مما يجعله ينقل المتلقي غلى أجواء اللوحة وأبطالها المرسومين. ثم تناول معيتيق أحد أعماله البكشيشي الفني بشيء من التحليل الفني.
على العكس من الجلسة الأولى، اقتصرت المداخلات على بعض الملاحظات والتعليقات، ليعقب الدكتور السنوسي الطاهر، بالتأكيد على البرنامج المسائي المتمثل في حفل التكريم.
الفترة المسائية خصصت للحدث الرئيسي، وهو تكريم 40 فنانا تشكيليا ليبيا ممن أثروا المشهد وكان لهو حضورهم المحلي والعربي والعالمي، حيث ضمت قائمة المكرمين كل من الفنانين: أحمد بودراعة، أحمد لاغا، التيجاني أحمد، الصادق مخلوف، الطاهر المغربي، القدافي الفاخري، أميرة بودراعة، بشير حمودة، جمال الشريف، حسن بن دردف، حسين ديهوم، خالد الصديق، رمضان البكشيشي، رمضان أبوراس، سالم التميمي، شفاء سالم، صلاح غيث، عادل جربوع، عبدالرزاق الرياني، عبدالقادر بدر، عدنان معيتيق، عفاف الصومالي، علي الزويك، علي السليني، علي العباني، علي الوكواك، علي رمضان، علي قانه، عوض عبيدة، محمد استيته، محمد البرناوي، محمد الخروبي، محمد الزواوي، محمد الغرياني، محمد المفتي، محمد أعبية، محمد نجيب، مرعي التليسي، مريم العباني، نجلاء الفيتوري، يوسف فطيس.
أما برنامج الاحتفالية فتضمن الترحيب بالحضور، والافتتاح بآيات من الذكر الحكيم، تلتها كلمة السيد رئيس الجامعة؛ أ.د / محمد سعد، ثم كلمة الفنانين المكرمين التي ألقاها الفنان والناقد عدنان معيتيق، ثم البدء في مراسم التكريم، من بعد فاصل قدمه أحد طلاب الجامعة، بعزفه لمجموعة من المقطوعات الموسيقية، ليتواصل تكريم الفنانين. لتكون من بعد الكلمة الختامية لكيل الجامعة لشؤون المسؤولية المجتمعية والاستدامة؛ أ.د/علي سعيد البرغثي، الذي أكد في كلمته على استمرار الجامعة في نهجها للتعريف بقامات ليبيا، على وعد باللقاء في العام القادم، في النسخة الثالثة من هذه الفعالية.
وهكذا انتهت فعاليات احتفال تكريم التشكيليين الليبيين في جو من البهجة والألفة، استطاعت من خلاله الجامعة الليبية الدولية تحقيق مع عجزت عنه مؤسسات الدولة، في خلق حالة من التناغم بين المجتمع وقاماته الفكرية والثقافية والأدبية والفنية.