النقد

ريما معتوق – بين الرواية الرقمية والرواية الورقية (قتيلة السابعة مساء)

رواية (قتيلة السابعة مساء) للكاتبة ريما معتوق
رواية (قتيلة السابعة مساء) للكاتبة ريما معتوق

زخم كبير من الإنتاج الروائي تعج به الساحة الأدبية في ليبيا هذه الفترة، ومن وجهة نظر البعض، تُعتبر ظاهرة ليست إيجابية ، بينما يعتقد البعض عكس ذلك ؛ خاصة مع اعتبار الرواية هي ديوان العرب في العصر الحديث والمعاصر ، كثيراً ما نردد هذا الكلام ولكن هذا لا يعني أن الرواية تصلح أن تكون وثيقة تاريخية مثلاً.! الحقيقة هذا الانفجار الروائي الضخم هو نتيجة لظروف سياسية واجتماعية مرت بها المنطقة العربية ، وليبيا من البلدان العربية التي تشهد منذ عام (الربيع العربي) انفتاحاً ثقافياً واسعاً وانتشاراً شاسعاً لدُّور النشر، التي كان لها الدور الكبير والفاعل في زيادة الإنتاج الروائي الليبي، حتي أصبح الكثير من الشعراء يتوجهون لكتابة الرواية، ومن فترة ليست ببعيدة شهدت الساحة الأدبية في ليبيا ولادة أول نص روائي للشاعر الليبي (قلم الزعفران) كما أحب أن اسمية عمر عبد الدائم، وهذا ليس بغريب فمن يُمسك بزمام القوافي لا تُعجزه المقاطع السردية.!

صدر خلال فاعليات معرض القاهرة في يناير 2024 العديد من النصوص الروائية لكُتاب شباب من بينهم الكاتبة الصاعدة (ريما عبد الرحمن معتوق) أصيلة مدينة سرت ، سكان طرابلس ، من مواليد 16-1-1982 متزوجة وأم لثلاث أطفال – خريجة كلية الصيدلة – جامعة الفاتح – طرابلس – مقيمة في أمريكا ، بدأت الكتابة منذ عام 2021، قدمت أول نص روائي لها ضمن ما يُسمى بالأدب الرقمي وهو مصطلح انتشر في فرنسا عام 1980 ، وقد عرَّفته الدكتورة فاطمة البريكي من خلال كتابها (مدخل إلى الأدب التفاعلي) بأنه: الأدب الذي يُوظف معطيات التكنولوجيا الحديثة في تقديم جنس أدبي جديد يجمع بين الأدبية والإلكترونية…(1)

كانت رواية (غسق الماضي) أول نص روائي صدر لريما ضمن الأدب الرقمي التفاعلي كما صدر لها بعد هذه الرواية العديد من النصوص من بينها: سلسلة الحب والحرب – (س وس) سيل جارف – نوفيلا (كاروت كيك) – وصدر لها أيضاً ضمن الأدب الرقمي التفاعلي قصتان قصيرتان بعنوان :خطه جيم ، وثنايا الروح ، أما روايتها الورقية الأولى فتحمل عنوان (قتيلة السابعة مساءً) والتي شاركت بها ضمن فاعليات معرض القاهرة الأخير، وصدر لها منذ أقل من شهر روايتها الورقية الثانية التي تحمل عنوان: (لا شيء يسقط بالتقادم) .

قتيلة السابعة مساءً رواية بوليسية أم واقعية.؟

اعتمدت الكاتبة تقنية التشويق من العنوان وصورة الغلاف، حيث أن قتيلة السابعة مساءً عنوان يوحي لك للوهلة الأولى أنه لرواية بوليسية بلا منازع ؛ ولكن عندما تقرأ الرواية تكتشف عكس ذلك تماماً؛ ذلك لأن الرواية البوليسية لها شروط لا تتوافر في هذا النص، من بين شروط الرواية البوليسية وجود جثة ناتجة عن جريمة قتل.!  الكاتبة تُأكد ذلك داخل النص ؛ حيث جآءعلى لسان المحقق كمال :(لا يمكننا أطلاق عليها لقب ضحية بعد فنحن لم نجد جثة.)(2) ، في قتيلة السابعة مساءً توجد جريمة مُصطنعة، من قبل أصدقاء لمعدة برنامج مشهور تُدعى (شرين رضوان).! تعرضت للخيانة من قبل (أمير زهران) مقدم البرنامج ومدير القناة (عمرو عرفات) وعندما علم أصدقاؤها بأنها ستٌقدم كبش فداء خططوا لإخراجها من هذه الورطة، وافتعلوا جريمة قتل لها على الهواء مباشرة، وفي الحقيقة هي لم تكن على الهواء ؛ بل تم العمل على تسجيل فيديو لها وهي تكشف أنها تعرضت لمؤامرة ، وكشفت الكثير من الأسرار التي أدت بمدير القناة ومقدم البرنامج للإستغناء عنها والتضحية بها دفاعاً عن مصالحهم.! شرين رضوان من ضمن عملها كمعدة للبرامج كانت تُجهز لتقديم برنامج يُكشف فيه عن بعض الحقائق المخفية عن عائلات برجوزاية تحكم المجتمع ، فحدث أن تسربت بعض التسجيلات التي قامت بتسجيلها شرين مع ضحايا حروب تلك العائلات تسبب ذلك في وضع القناة والمسؤول عنها في موقف محرج. تعج الرواية بالشخصيات وهذا ليس عيباً بقدر ما هو ميزة يتميز بها هذا النوع من الروايات ،التي يُطلق عليها (الرواية الواقعية)(3) من وجهتي نظري ؛ يتم تحديد المهارة الفنية والإبداعية لكاتب الرواية الواقعية من خلال قدرته على توزيع الأدوار بين ذلك العدد الكبير من الشخوص، ومهارته في تحريكها في اتجاهات مختلفة داخل مسار السرد.نتج عن هذا الكم الكبير للشخصيات داخل النص تشابك للأحداث وتعقيد ساهم في زيادة قوة الحبكة.

الكاتبة ريما معتوق (الصورة: عن اليوم السابع)
الكاتبة ريما معتوق (الصورة: عن اليوم السابع)

تحليل صورة الغلاف:

صورة الغلاف التي يعتقد بعض النقاد أنه تجاوزها وأصبح يهتم بأمور أخرى أهم تتعلق بمحتوى النص ، في وجهة نظره ، الحقيقة هي إلى جانب العنوان (أُسْكْفَّة) من أسكفات النص وتحليل الغلاف شيء مهم اذ إنه هو: أول شيء يدفع بالقارئ لإقتناء الرواية إلى جانب العنوان المثير للفضول.! وغلاف رواية قتيلة السابعة مساءً لافت للغاية رغم بساطته ، ولكن الوانه تشبه أحلام ومخاوف طفولتنا البريئة، وهذا تجانس غريب افلحت (دار النشر) في القيام به ؛ علمت عندما التقيت بالأستاذ غسان الفرجاني في معرض االقاهرة الأخير ؛أن دار النشر تحتكر لحد كبير إختيار الغلاف! ومن الواضح أن هذا الأمر لا تقوم به دار الفرجاني حصراً؛ بل هو عُرف تعارفت عليه كل دور النشر! في الواقع سواء اختار الكاتب الغلاف أم اختارته دار النشر في النهاية النتيجة واحدة؛ وهي أن الغلاف سيكون تحت مطرقة النقد. المشكلة  في غلاف (رواية قتيلة السابعة مساءً)،الجودة السيئة لورق الغلاف، اما الصورة التي وضعت على الغلاف ، فهي تعكس بشكل كبير عنوان الرواية، صورة تحمل الكثير من الدراما والإثارة، وتجسد الصراع بين الحياة والموت، ومن خلال الألوان التي تم استخدامها في هذه الصورة؛ فإن الحياة كانت طاغية على الموت بشكل واضح، فقد أكتسح اللون الأزرق المخضر الغلاف، وهو عبارة عن لون ناتج من دمج اللون الأصفر والأخضر، ولهذا دلالته بالتأكيد ؛ على الرغم من أن دلالة الألوان ورمزيتها تتباين من مكان لأخر(4) ومن ثقافة إلى أخرى، ولكن هناك ثوابت إن صح التعبير، فإذا ما فككنا الألوان المكونة للون الأزرق المخضر، بحثاً عن دلالتها، نجد أن اللون الأصفر يدل على الإثارة والغيرة، والدهشة أيضاً ، أما اللون الأزرق فيدل على الرغبة في التحكم ، والقوة والعمق(5) وهذا اللون جاء رمزاً تعبيري عن العائلات البرجوازية التي تتصارع داخل النص؛ وعلى هذا  فالأزرق المخضر يدل على ما تحويه أحداث الرواية من إثارة، وشخصيات تتصف بالقوة وتتميز بالرغبة الشديدة في التحكم، وتعكس صورة الغلاف مدى تأثير القنوات العالمية والعربية في فترة ما على مسار الأحداث التي مرت بها تلك العائلات؛ وذلك من خلال وضع صورة لأذاعة مرئية (التلفزيون) وهو تلفزيون كلاسيكي جداً (أنتيكة) ، تظهر على هذا التلفاز بعض القطرات من الدم بارزة واضحة تعبيراً عن أن جريمة قد حدثت فى بث مباشر، ومن المعروف أن الرواية كجنس أدبي هي الأكثر نموذجية للمجتمعات البرجوازية(6) لذلك أُصنف قتيلة السابعة مساءً رواية (واقعية) جسدت أحداثاً من الممكن حدوثها ضمن المجتمع البرجوازي.

داخل الرواية: ريما معتوق كاتبة صاعدة، لا يخلو نصها من الأخطاء، التعبيرية، واعتمادها القوي على استخدام تقنيات بشكل جعل السرد يتسم بالكثير من الرتابة والروتينية في عرض الحدث، حيث أن بناء الحدث في قتيلة السابعة مساءً بُنى على قصة من الممكن حدوثها في الواقع، حتى ولو كانت الكاتبة قد نسجت خيوط أحداثها من خيالها؛ فانعكاسات الواقع المُعاش واضحة من خلال وصف الكاتبة لتفاصيل المكان، خاصة وأنها إختارت البيئة المصرية مسرحاً للأحداث، وهذه البيئة المجتمعية أُستهلكت من صُناع الدراما والسينما في مصر،،هذا جعل من النص بسيطاً للغاية، من ناحية البِنية الحكائية التي قام على أساسها الحدث الرئيسي؛ ولكن حافظت الكاتبة على عامل التشويق. وفي نفس الوقت هذه البساطة جعلت من النص يُعد من النصوص التي تساعد النشئ على تعلم فعل القراءة، ومن خلال تعاملي مع طلاب الثانوية العامة بقسميها العلمي والأدبي، وباعتباري معلمة للغة العربية؛ فإن الطلاب في هذه المرحلة على استعداد لتقبل هذا النوع من الروايات؛ خاصة اذا ما قُدمت لهم من قبل معلم المادة الذي يعلم جيدا كيف يقدمها بشكل يُثير فضول الطالب ليبحث بنهم عنها ويقتنيها؛ فنحن بحاجة لمواكبة هذا الزخم من الإنتاج الأدبي بجيل جديد وفاعل من القراء.

التقنيات السردية الطاغية على النص:

تقنية الارتداد :الارتداد تقنية سيطرت بشكل كامل على النص، يلجأ الكاتب إلى استخدام هذه التقنية السردية لربط الأحداث، وللرجوع إلى نقطة معينة أغفلها اثناء السرد، وللارتداد ثلاث أنواع هي: ارتداد داخلي يعود فيه الرواى إلى نقطة من الزمن تقع بعد بداية الرواية وارتداد خارجي يعود فيه الراوي إلى نقطة من الزمن تقع قبل بداية الراوية، وإرتداد مزجي يُدمج فيه بين النوعين السابقين (7) نجد في الرواية ارتداد خارجي في الفصل الخامس  حيث عادت الكاتبة بالقارئ قبل أحداث الجريمة المُفتعلة تحت عنوان:( قبل عدة أشهر) الصفحة112.ونجد أيضاً ارتداد مزجي وذلك من خلال جعل بداية الرواية ونهايتها متشابهة حيث وضعتها الكاتبة تحت عنوان:(البداية هي النهاية والنهاية هي البداية) بذلك رجعت الكاتبة الى نقطة قبل السرد ، وأخرى بعده وهذا ما يُسمى بالارتداد المزجي، ويُظهر هذا النوع من الارتداد بساطة النص بشكل واضح.

تقنية الإرتجاع: إتكأت ريما معتوق على تقنية الارتجاع الفني (الفلاش باك) وهي تقنية سيميائية(8) اعتمدتها الكاتبة بشكل كبير ما جعلها بمثابة مِقص للأحداث وهذه الوظيفة الفعلية لتقنية (فلاش باك)، ساعدت في زيادة فضول القارئ وزيادة نسبة التوتر داخل النص ، لا يكاد يخلو فصل من فصول الرواية الأحدى عشر من الفلاش باك وهذا ما جعل النص جاهزاً للمعالجة الدرامية ليكون مشروع مسلسل تلفزيوني ناجح.

ختاماً:

الانطلاقة كانت للكاتبة من خلال الأدب الرقمي وهذا سلاح ذو حدين ، فمن خلال الأدب الرقمي نشأت علاقة مباشرة للكاتبة مع القارئ، فالكاتبة من خلال صفحات خاصة لها تدخل في بث مباشر لتناقش القراء أحداث بعض روايتها الرقمية ، ومن الواضح أن هذا ساعد الكاتبة في فهم طبيعة وكيفية توقع القارئ للأحداث ، يعتقد البعض أن من خلال هذه النقاشات قد يؤثر القارئ في الكاتبة لتغيير مسار الأحداث.؟! وهذا ما سألت الكاتبة عنه فأجابتني بأنها قد سُئِلت كثيراً عن ذلك، وإجابة بأن القارئ لا يؤثر في تغيير أي حدث؛ فهي قبل أن تكتب أي نص تكون قد رسمت كل خطوطه العريضة، وحددت أساسياته. صراحة من خلال حضوري لتلك البثوث المباشرة للكاتبة عبر موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك؛ فإن ريما معتوق تحاول من خلال ذلك اللقاء المباشر مع قراءها شرح الفكرة من النص، وشرح طبيعة بعض الشخصيات، ومعرفة أي تلك الشخصيات تأثيراً في القارئ؛ ولعل هذا ما جعل الكاتبة تدمج شخصية أشماس وهي شخصية من شخصيات رواية(سيل جارف) وهي رواية رقمية، ضمن شخصيات الرواية الورقية (قتيلة السابعة مساءً).! تأثير فاعلية الأدب الرقمي واضحة جداً في أسلوب الكاتبة الصاعدة وهذا أمر طبيعي ؛ ولعل هذا ما أوجد بعض الأخطاء الأسلوبية التعبيرية للكاتبة، أما الأخطاء الإملائية الواضحة، يتحمل مسؤوليتها المدقق اللغوي الذي لا أجد له أي فاعلية داخل النص، خاصة وأن اسم المدقق اللغوي تصدر خلفية الصفحة الثانية من أوراق الرواية.! حقيقة الكاتب عندما يكتب قد لا ينتبه للأخطاء النحوية والإملائية وإن انتبه قد يقطع الرجوع لتصليح وتعديل تلك الأخطاء انسياب وتدفق أفكاره؛ لذلك تتعهد بعض دور النشر بوجود مدقق لغوي يحل هذه المشكلة وهذا ما قامت به (أبداع للترجمة والتدريب والنشر والتوزيع) مع رواية (قتيلة السابعة مساءً)؛ ولكن كما أسلفت الذكر لم يكن هناك أي فاعلية للمدقق اللغوي داخل هذا النص.؟!


الهوامش

1- كتاب مدخل إلى الأدب التفاعلي – تأليف د.فاطمة البريكي- الطبعة الأولى2006- الناشر، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء- المغرب.

2- رواية قتيلة السابعة مساءً- الطبعة فبراير2024- إبداع للترجمة والتدريب والنشر والتوزيع – الصفحة 90.

3- كتاب الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي، دراسة بنيوية تكوينية – الطبعة الأولى 1985- دار الثقافة الدار البيضاء- الصفحة492.

4- سيكولوجية الألوان – الدكتور خالد محمد عبدالغني- الطبعة الأولى2015- الوراق للنشر والتوزيع– الصفحة16-17.

5- نفس المصدر السابق- نفس الصفحات.

6- كتاب تحوّلات السرد، دراسات في الرواية العربية – الدكتور إبراهيم السعافين- الطبعة العربية الثانية2024- دار الشروق للنشر والتوزيع – الصفحة26.

7- كتاب مصطلحات ومفاهيم في الأدب والنقد، رؤى وأبعاد- دكتور أحمد العزي صغير- الحضارة للنشر- الصفحة 30.

8- نفس المصدر السابق – نفس الصفحة.

مقالات ذات علاقة

مقاربة بين رواية مزرعة الحيوان لجورج أورويل ورواية القرود للصادق النيهوم

المشرف العام

قراءة في مجموعة:الخيول البيض.. للقاص “أحمد يوسف عقيلة”

عبدالرزاق العاقل

من أنت أيها الملاك.. قراءة في رواية “إبراهيم الكوني”.. إغواءات لدعوة سرّية

المشرف العام

اترك تعليق