حكايات وذكريات: سيرة قلم 39
ثمة حسنة أخرى من حسنات الدكتور خشيم الكثيرة.. يتوجب علي تسجيلها هنا.. ألا وهي موافقته على نشر كتابي: (المرآة: قصص ومسرحيات مترجمة).. الذي كنت قد تقدمت به إلى الــدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان.. فأحالوه بدورهم إلى رابطة الأدباء والكتاب.. التي أجازته وأحالت إليّ نسخة من موافقة الرابطة.. موقعة من الدكتور خشيم ومرفق معها تقرير الرابطة عن الكتاب.. لكنه ورغم حصوله على الموافقة المطلوبة بقي حبيس أدراج تلك الدار لأكثر من سبع سنوات.
الأمر الذي اضطرني إلى الذهاب إلى المقر الرئيس للدار بمصراته.. للسؤال عن كتابي المغيب قصرا رغم إجازته.. وهناك قابلت الأستاذ / سالم الأوجلي.. وكان وقتها يشغل وظيفة مدير إدارة النشر.. فاستقبلني بحفاوة وود.. وأخبرني على الفور بأنه قد استلم نسخة من ردي على رابطة الأدباء بشأن كتابي: (مملكة الحيوان).
فسألته.. هل هناك أمل يلوح في الأفق.. بشأن نشر مخطوط كتابي: (المرآة: قصص ومسرحيات مترجمة).. المجاز منذ مدة طويلة من رابطة الأدباء والكتاب..؟
فقال لي: ليس ثمة أمل.. وأعمال الدار شبه مجمدة.
فأخبرته برغبتي في سحب مخطوط الكتاب بعد سنوات الانتظار الطويلة والمريرة.. فوافق بلا تردد.
سألته وأنا أنتظر استلام المخطوط.. وأطالع أظرف المخطوطات الكثيرة المصفوفة على أرفف خزائن مكتبه وتنتظر دورها في النشر: هل ثمة من مات من أصحاب هذه المخطوطات.. وهو ينتظر صدور مخطوطه في كتاب..؟
فقال متأسفا: نعم.. هناك من أصحاب هذه المخطوطات الكثيرة.. من توفاه الله.. ومنهم من سحب مخطوطه.. ومنهم من ينتظر.
وفي نهاية الدوام.. لبيت دعوته لتناول الغداء معه.. وكانت فترة الغداء من أجمل لحظات ذلك اليوم.. تناولنا خلالها الحديث عن مواضيع عدة.. وأهداني مشكورا نسخة من كتابه: (شهوة السكين).. جزاه الله خير الجزاء.. ومن ثم ودعته وعدت أدراجي.. إلى مقر عملي بمدينة رأس لانوف.
شكر خاص
لمجلس الثقافة العام
وخلال إحدى زياراتي لبنغازي.. ذهبت إلى مقر مجلس الثقافة العام ببنغازي.. وقدمت لهم الكتاب مع كتاب آخر بعنوان: (أبعاد نقدية: في اللغة والأدب والتاريخ).. وما أسرع ما عرض الكتابان على اللجنة المختصة التي وافقت على نشرهما.. وفي أقل من عام نشر الكتابين بلا تأخير وبلا واسطة ولا يحزنون.
ومن هنا.. يتوجب علي تقديم واجب الشكر والتقدير لمجلس الثقافة العام.. الذي ساهم في فترة قصيرة جدا في مساعدة العديد من الأدباء والشعراء والكتاب.. ونشر مخطوطاتهم في زمن قياسي (وبدون محاباة أو واسطة).. وذلك بالمقارنة بالزمن الذي كان يستغرقه نشر المخطوط.. من خلال الدار الجماهيرية التي لم تكن في واقع الأمر كذلك.
نشر مجلس الثقافة العام أكثر من خمسمائة مخطوط.. للعديد من الأدباء والشعراء والكتاب.. وأغلبهم من غير المحظوظين.. الذين عاصروا تلك الحقبة من تاريخ بلادنا الحبيبة.. وكانوا خلال سنوات الانتظار المريرة.. يقابلون جحود تلك الدار بالصبر الجميل.. مرغمين ومضطرين ومغلوبين على أمرهم.. على آمل أن يتفضل عليهم أصحاب القرار بنشر مخطوط واحد.. من مخطوطاتهم التي تتراكم عاما بعد آخر.
نعم.. كانت علاقتي بالدكتور خشيم ــ كما أخبرتم ــ قصيرة جدا.. لم يرد لها النظام السابق أن تستمر لأكثر من ستة أشهر.. فقد انتهت علاقتي به.. بعدما أرغمت على مغادرة الجامعة.. فلملمت وريقاتي وأغراضي.. وعدت مكرها إلى بنغازي.. ولم أعد ألتقيه أو أراه.. إلا من خلال البرنامج الذي كان يقدمه للتلفاز الليبي في ذلك الوقت.. اللهم أغفر له وأرحمه برحمتك التي وسعت كل شيء.