حوارات

المخرج المسرحي محمد العلاقي: ليس هناك مسرح ليبي والعجز قاسم مشترك

الذكرى الـ13 لرحيل المخرج المسرحي الليبي محمد العلاقي

المخرج المسرحي الليبي محمد العلاقي
المخرج المسرحي الليبي محمد العلاقي

تجربة محمد العلاقي هي إحدى العلامات المفصلية في المسرح الليبي فهو من الرعيل الأكاديمي الأول كما إنه أحد المحترفين بالكامل للعمل المسرحي تدريباً وإخراجاً.. عاصر ما يناهز الأربعين عاما من الحركة المسرحية تفاعل معها وفيها واعطاها واعطته.. ولمقاربة هذه الرحلة كان لأويا هذا اللقاء:

أويا: مائة عام مرت على تجربة المسرح المحلي هل فعلا نملك تجربة مسرحية عمرها مائة عام؟

– كزمن فزيائي يمكن ان يكون قد مضى على مسرحنا 100 عام ولكن كفعل مسرحي اعتقد انه اقل من هذا بكثير فالمشكلة اننا كنا ولا زلنا نعاني من الانقطاعات ثم البدايات الصفرية نحن لا نراكم التجربة ولقد حددها المرحوم عبدالله القويري بأزمة الانقطاعات على مستوى الزمن والجغرافيا فالتجمعات السكنية تبدو كالجزر المفصولة بدون نسيج ولقد اضفت الجغرافيا طابعها على الزمن

أويا: هل من الممكن ان نطلق على تجربتنا اسم المسرح الليبي؟

– لا ليس هناك شيء اسمه المسرح الليبي هناك تجارب مسرحية فنحن عندما نضع تجربتنا المسرحية تحت عنوان المسرح الليبي فإننا سوف نقيسها بمسطرة المسرح الايطالي او الفرنسي او الانجليزي وهذا ظلم كبير للاثنين معا فعندما نتكلم عن مسرح ذي خصوصية مكانية يفترض المسرح هذا ان يكون حاضراً في حركة المجتمع الثقافية والاجتماعية اون يكون حاضراً في حركة المجتمع الثقافية والاجتماعية وان يكون عضوياً في صناعة العقل ففي فرنسا على سبيل المثال يرتاد المسرح في مدينة واحدة كالعاصمة باريس اكثر من خمسين الف مشاهد وتقدم 15 مسرحية جديدة كل شهر وتعرض بعض المسرحيات لمدة سنوات

أويا: كيف جئت الى المسرح؟

– في تلك الفترة كان هناك حراك اجتماعي عام يشمل النشاطات الرياضية والحفلات والانشطة الثقافية وتعرفت على نادي كان اسمه نادي مصراته بطرابلس دخلته لان صديقي كان من مدينة مصراته ووالدتي كذلك وفي هذا النادي وجدت اعلانا عن دورة اعدتها ادارة الفنون والثقافة تشمل دروسا في المسرح ذهبت مع صديقي بدافع الفضول وكان الشخص المسئول عن امتحانات المقابلة هو الاستاذ محمد عبد العزيز العقربي بهرني الرجل وانا اقف امامه وهو يؤدي احد قصائد فولتير عن الذئب والثعلب احسست اني اريد ان اعرف هذا العالم الذي يعرفه هذا الرجل وانخرطت في الدورة التي كانت تحتوي على دروس في التمثيل والالقاء وعلم النفس وتاريخ المسرح وكان الاساتذة هم محمد العقربي في التمثيل ومحمد ماهر فيهم في الالقاء ودكتور لا اذكر اسمه في علم النفس وعبدالله القويري في تاريخ المسرح ورافقني في هذه الدورة المذيع على عطية والمرحوم محمد الساحلي وعند انتهاء الدورة التحقنا بالمسرح الوطني ووجدنا امامنا لطفي بن موسى ، شعبان القبلاوي ، محمد شرف الدين، الامين ناصف ، عمران المدنيني وفنان الكاريكاتير ، محمد الزواوي الذي كان يصمم الديكور آنذاك فكان المسرح الوطني يجري بروفات مسرحية عطيل التي يخرجها محمد عبد العزيز العقربي وكانت الاستعدادات ضخمة لتنفيذها بالرغم من عدم عرضها على خشبة المسرح لأسباب إدارية الا انها كانت تجربة جيدة لنا نحن القادمين من الدورة التدريبية للاحتكاك المباشر مع أعمال بمستوى ” عطيل “.. وفي ذلك الوقت 1967. رشحني الاستاذ عبدالعزيز العقربي لمنحة دراسية قدمتها وزارة الثقافة الفرنسية لدراسة المسرح في فرنسا.

أويا: كيف كانت تجربة الدراسة في تلك الفترة والتي كانت تزخر بها فرنسا بالعديد من التغيرات الثقافية والسياسية؟

– للوهلة الاولى اكتشفت انني أمام عالم غريب يضج بالاختلاف والحركة فمنذ الأشهر الاولى انطلقت ثورة 68 في فرنسا وكان الوسط الطلابي احد مراكزها كان كل شيء قابل للنقاش وفي خضم هذا كان المسرح الفرنسي يعيد قراءة ذاته واذكر انني فوجئت حتى بالموضوعات التي تطرح للدراسة الاكاديمية فلقد طلب مني مثلاً الكتابة عن الشيخوخة في المسرح..الجامعة في ذلك الوقت كانت اقرب للمختبر المسرحي انخرطت في المحيط الطلابي وشاركت في مجموعة عروض كان احدها هو مولد السلام وهو اوبريت للفيلسوف ” ديكارات ” قمنا بتحويله الى مسرحية تم عرضها فكتبت عنه الصحافة الباريسية وتدريجياً بدأت أدراك أن الموضوع اكبر مما تخيلت وأن المسرح هو فن في غاية الدقة والتعقيد وأن التعامل معه يحتاج الى الكثير من التأسيس المعرفي والتقني وبالفعل انهمكت في التعرف على اهم الكتابات الابداعية والنقدية في المسرح وقد كانت باريس آنذاك هي بؤرة التيارات الفكرية في المسرح العالمي واثناء دراستي تعرفت على المخرج التونسي ” توفيق الجبالي ” وعند نهاية سنوات الدراسة كنت أمام خيارين اما ان اكمل دراستي العليا او اعود ولظروفي الاجتماعية قررت العودة على ان اكمل دراستي العليا فيما بعد وهذا ما لم يحدث.

أويا: ما هي قراتك للحالة المسرحية المحلية بعدما عدت من الدراسة.

– كانت هناك محاولات تتوهج احيانا وتخبو احيانا اخرى غير انني أرى ان اهم هذه المحاولات كانت تجربة ” مصطفى الامير” فقد استفاد من “شلندا” في ان يقدم ملامح الشخصية الوطنية غير ان ذلك لم يتبلور ولا استطيع تحديد لماذا لم يستمر.

أويا: تجربة ” مصطفى الامير ” تزامنت مع تجربة ” الأمين ناصف ” الذي كان منهمكاً في محاولة تقديم مسرح جاد؟

– حسب راي الشخصي ان ما كان يعيق تجربة ” الأمين ” هو انها تريد تقديم اعمال عالمية وهذا يمكن تحقيقه الى حد ما في كلية للمسرح عندما يتوفر الادراك النظري والمعرفي لكافة العناصر الداخلة في تنفيذ العرض دعني اوضح اكثر فكرة رسالة الماجستير التي كنت ازمع تقديمها كانت حول ” بريخت ” واظن انني قرات ” بريخت ” بشكل جيد غير انني لم اقدم اية مسرحية لبريخت لأنني اعتقد ان تناول ” بريخت ” في عرض مسرحي يجب ان يدرك بريخت معرفيا من جميع طقم العمل وهذا لا يمكن تحقيقه عندنا ولذلك اظن اننا اذا اردنا ان نقدم معادلة مسرحية محلية فيجب ان تنحاز الى المسرح الشعبي وان نقترب من المهم الاجتماعي المحلي اما تقديم الاعمال العالمية بالرغم من اهميتها فإننا لانزال غير قادرين على الامساك بقواعد لعبتها:

أويا: بدأت مع اسماء مسرحية مهمة على خارطة المسرح العربي توفيق الجبالي وفاضل الجعايبي وكانت مستوياتكم متشابهة بل ان بعضا من عاصركم يقول انك كنت تسبقهم بخطوة فلماذا عبروا هم نحو الضفة الاخرى وبقينا نحن؟

– لا يمكن معرفة الخلل عن طريق التخمين وهذا يحتاج الى كثير من الجهد العقلي والتحليل العلمي غير انني اشعر ان هناك عجزاً مشتركا وعلى مستويات متعددة فهناك عجز على مستوى المجتمع اعتقد ان العجز يحيط بنا بالكامل.. فخاصية المسرح كما نعرف لا تأتي نتيجة لجهد فردي فهو منظومة متكاملة انه مثل السيمفونية لا يمكنها ان تعزف الا اذا توفرت كافة عناصرها وهو كذلك نتاج لحركة ثقافية كاملة تشمل التفاعل المسرحي كي يولد المسرح.

أويا: ساهمت في حقل التدريب مدة طويلة كيف ترى وضع مؤسساتنا التعليمية الان؟

– دخلت مجال التدريس بمعهد جمال الدين الميلادي منذ بداية السبعينات وهو معه متوسط وحاولت انا وزملائي تكوين كوادر متخصصة ولو بشكل نسبي نجحنا في اماكن وفشلنا في الاخرى وقمت بالتدريس في مركز تقنيات الفنون لمدة سنوات وانني اعجز ان احدد بشكل دقيق اين يكمن الخلل الذي ارى انه موزع بين هيئات التدريس والمناهج والطلبة وهذا بحاجة الى دراسات علمية كي نعرف يقيناً اين مكامن الخلل لنأخذ مثلاً انا كنت ضمن لجنة تقييم الاعمال المقدمة لمهرجان المسرح الجامعي وللغرابة تقدم المعهد بعرض لا يمكن ان نقول عليه سوى انه هذيان لا علاقة له بالمسرح ويحدث هذا من قبل معهد يفترض انه متخصص في انتاج الكوادر المؤهلة معرفياً وتقنياً كما سمعت ان جامعة الفاتح تناقش الان قفل قسم المسرح والموسيقى. وفي مثل هذا الارتباك والفوضى لا يمكن لاحد أن يبدي اية ملاحظات.. الحالة تحتاج الى دراسة علمية معمقة حتى لا نبقى ندور في نفس الاسئلة والاجابات.

أويا: هل توجد لدينا عناصر فنية قادرة على تحقيق معادلة المسرح؟

– على مستوى الممثل لدينا عناصر ذات كفاءة غير ان معظمهم اقرب الى الفطرية ويفتقد الخبرة المعرفية والتقنية وعلى مستوى السينوغرافيا ما يتعلق بالإضاءة والديكور والملابس…..الخ هناك اشخاص جاهزين غير أن الأهم هو ادراك المجتمع لأهمية المسرح والحاجة إليه وانا هنا لا اتحدث فقط عن المؤسسات بل عن المجتمع ككل. الفرد لدينا لا يرى اهمية للحوار والمسرح بالأساس هو حوار ، اما على المستوى الشخصي فنرفض الاختلاف مما يحيل الفعل المسرحي على رقابات متعددة وليست الرقابة السياسية فقط فانت لا تستطيع ان تنتقد الجهود ولا التقاليد ولا الاعراف.. الخ هذا يجعل من المسرح كائنا بلا صوت محاصراً بأصوات الرقابة الذاتية وضمن هكذا معطيات لا يمكن إنتاج مسرح.

أويا: كيف تقيم اعمالك الان؟

– لست ادري لكني حاولت ان أقدم اعمالاً متنوعة ” الشنطة طارت ” مثلاً لاقت استحساناً جماهيرياً ولاقت حظها من العرض مدة لا باس بها ، و” الميت الحي ” لاقت اهتماماً في المهرجانات العربية اما مسالة التقييم فهذا يعود للزمن وليس لي.

أويا: البعض يرى بأن العجز سببه تردي الوضع داخل المسرح؟

– قد يكون هذا صحيحاً بشكل ما غير ان ذلك لا يمنع من أن هناك عوامل كثيرة مشاركة صحيح ان البعض لا يريد تحمل مشقة الانهماك في التفاصيل من تدبير التغطية المالية الى الاتصال بالكاتب والممثلين والجهاز الفني…الخ هذا يرهق ويستهلك الكثير من الوقت وفي احيان كثيرة يكون بدون نتيجة اعتقد ان الحل هو خلق الية جديدة للفرق المسرحية بتقديم عرض سنوي وان يتم توزيع هذه العروض على مدار السنة فسيكون لدينا في كل شهر مجموعة عروض ثم ان يتم التعامل مع الفرق عن طريق العقود اي الذي يشتغل يتم التعاقد معه بذلك نستطيع تربية جمهور يتعود الذهاب الى المسرح.

أويا: وانت ما الذي قدمته لمسرحنا؟

– اسست فرقة الزاوية.فرقة زواره.وفرقة صبراتة غير انني لا اعتقد ان هذا يكفي ولقد حاولت تأسيس مختبر مسرحي يمكنه تبني التجارب المسرحية والمهرجانات المحلية والعربية واستمريت لسنوات في مطاردة الموافقات الرسمية وقدمت تصورات عدة لأحد اكبر مهندسينا لاستغلال أحد الامكان المغلقة في مدينة صبراتة تحصلت على الموافقات ولم تنفذ استمريت لمدة طويلة احاول ثم استسلمت.

أويا: من هي الاسماء التي جاءت بعدك ، وكان لها تميزها؟

– إخراجياً محمد القمودي استطاع ان يقبض على مفرداته ونجح في محاولة رصد الحراك الاجتماعي ،مسرحية ” نقابة الخنافس ” كانت عملا يقترب من مفهوم المسرح الشعبي ، اما على مستوى الكتابة فهو ” منصور بوشناف ” وهناك مخرج جيد اسمه ” محمد نجم ” قام بتجارب مسرحية لا باس بها.

أويا ماذا اعطاك المسرح؟

– الحياة نفسها لا استطيع ان اعيش بدون مسرح ، انه التعبير الوحيد عن وجودي احس خارجه انني اختنق يشكل لدي حالة من التواصل مع الاخر حالة الكينونة واعتقد ان هذا هو ما يمنحه المسرح للمجتمع انه يهيئ ارضية لخلق الحوارات وهو فعلا ما نجده قراءه تاريخ المسرح فالفترات التي ازدهر فيها المسرح كانت فترات نهضة اجتماعية والعكس في فترة سيطرة الكنيسة في القرون الوسطى كان المسرح غائبا وكانت اوروبا غارقة في الجهل.


المصدر: عن موقع منتدى فن التصوير: https://www.fotoartbook.net/vb/node/132145

المرجع إن هذا الجوار أجري على صفحات صحيفة أويا في العام 2008.

مقالات ذات علاقة

عائشة الأصفر: الرواية الليبية اقتحمت المنافسة فعليًا ولديها ما يؤهلها لذلك

رامز رمضان النويصري

الفنان التشكيلي محمد الأمين… لوحات تفضح روح السجين

أسامة بلقاسم

خالد السحاتي: الكتابة بالنسبة لي حياة فسيحة

المشرف العام

اترك تعليق