دخلت إلى البيوتي سنتر التي تعودت أن تتحايل فيه على العمر، بقص شعرها وإخفاء بعض رماده، وحقن شفتيها الذابلة بإبرة نظارة، استقبلتها صاحبته بابتسامة عريضة، فقد مضى وقت طويل لم تطرق بابهم، وقد تعودت كل شهر على زيارتهم، لم تخبرها إنها كانت حزينة على مدينتها التي غرقت، وعن أشياء كثيرة حدثت لها واحدة تلو الاخرى وكأنها على موعد مع الحزن، ورغم كل شيء ها هي تحاول من جديد العودة إلى الحياة.
لاحظت بعض التغييرات، فالمرايا صارت أكبر وكراسي الانتظار والزبائن أصبحت أكثر، سألت عن (لين)، الفتاة اللبنانية التي تعودت عليها في إصلاح ما أفسده الوقت، فهي تعرف ماذا تريد دون الحاجة لأن تخبرها في كل مرة تأتي إلى هنا، قالت لها الفتاة الجديدة الواقفة في الاستقبال؛ إنها غادرت إلى لبنان، ربما تعود وربما لا! ثم طلبت منها الانتظار قليلاً حتى تتفرغ إحدى الفتيات لها.
جلست بجانب النافذة الكبيرة التي تطل على الشارع، بجانبها ماكينة القهوة وعلى الجدار المقابل شاشة كبيرة، عليها صور لسيدات جميلات بقصات شعر جميلة، وعدسات ملونة وعروض مكياج وكريمات تعيد الشباب إلى وجوههن، كانت الصور والإعلانات تتحرك على الشاشة يرافقها صوت فيروز:
طيري يا طيارة طيري ياورق وخيطان
بدي ارجع بنت صغيرة على سطح الجيران
وينساني الزمان على سطح الجيران…
ولا تدري لماذا أعادتها الاغنية إلى هناك وقالت في سرها:
-هل يستطيعون أن يعيدونني بنت صغيرة كما تتمنى هي وفيروز، وتلعب بطائرة الورق.
لقد تذكرت كيف كانت تصنعها هي وأختها بأغلفة الكراسات المدرسية الملونة الأصفر والأخضر والأحمر، وبكرة السلك الطويلة والصمغ، ودائماً ما تتمزق بعد كل تجربة طيران ونعيد الكرة، سمعت تكرار اسمها يعيدها إلى الواقع.
– مدام تفضلي حان دورك! بماذا تريدين أن نبدأ؟
جلست أمام المرآة وهي تقول:
– حتى سطح الجيران الذي نتمنى الزمان أن ينسانا على سطحه، كما تقول الاغنية لم يعد موجودًا لقد رحل هو أيضاً معهم.