من أعمال التشكيلي.. معتوق البوراوي
شعر

الأشباح لا تولد من شجر الغابة

الكشتبان

إلى زكريا أحمد

أ

هو شبيه ثمر البلّوط وهو أيضا يحيط باصبع الخيّاط. هو الشِعر واللاشِعر. تأتيه من طرق متعددة وحين تتركه وراءك يسبقك. كشتبان وخيّاط كائنات لا يراها أكثر الناس، يرعاها بدأب الفلّاح الأجير، ويسقيها من أنفاسه، وكي لا يصيبها الدوار يضعها على كتفه ويقف منتصباً كعود خيزران مرن يقهقه في الريح.

كشتبان لا يُقرأ دفعةً واحدةً بل قضمة قضمةً والأصغر الأحسن.

 

ب

ليس العقل درب الوصول إلى عالم هذا الكشتبان، الفيض هو الدرب. كنتُ أراه أمام دكّانه محنيّ الظهرِ مستغرقاً في تطريز ما لا أكاد أراه: عنكبوتاً، عود قشّ، فرخ طائر أو شقفة طين عليها خطوط ودائر أو صحائف صفراء. يرى السابلة يمرون ولا يرونه، تسمعه ألحان فريد الأطرش نافذة العاشقة الصبية، يعلمُ أنها ستسقيه أحلى فنجان قهوة بالهيل.  قال مختار الحارة: لا نعرف له بيتاً نشير إليه بأصابعنا ولا نعرف له اسما!  رأيته ذات فجر يكتب في قراطيس على ضوء فتيلةٍ شاحبٍ.

 

ج

الصيحة لا تصلُ إلى عتبة الباب بل صهيلٌ غامضٌ رهيفٌ. مذ ترنّحتْ الشوارع أمامه ترك الشوارع.

مذ خاصمته الأبجدية الجديدة صار غريباً على القوم.  مذ أرضع بيده جراءً فقدت أمها صار له تاريخ في كتاب الأمومة الكوني. مذ مدَّ في فؤاده نهر الغفران صار لا يخشى الليل ولا كوابيس الليل.

د

على المنديل المشبع بالجليسرين نما الطحلب، رماديا كأظفار صابغ الأحذية.

ما تبقى من بياضٍ خانه البياض. وأنا أجلس بين الكأس الفارغ وجوقة الدفوف.

 

ه

الكلب فقط يعلم، إذ يحاوره في المنحدرات الضيقة وفي الشوارع الترابية، إذ يتفحص أزهار في الخلاء أو يقف ساكناً ما شاء له أام سور متهدم أو رديم تعلوه حجارة وأعمدة.

من أعمال التشكيلي.. معتوق البوراوي
من أعمال التشكيلي.. معتوق البوراوي

الزعيم

حتى اسمه صار نادراً، قد تتعثر به في الطريق صدفةً وقد تقرأه في صفحة أصدقاء المراسلة.

هكذا كانت بلاده أيضا، عثرة وراءها عثرات: بلادٌ حاول زعيمها –في هوس- أن يفصلها كفستان ماوتسي تونغ: ثورة ثقافية، إبطال القوانين، مطاردة الشرفاء والأغنياء والمتعلمين، الوصول إلأى رقم مليون جندي –أسماها الشعب ضاحكاً: شركة الظلّ- إلغاء النقابات وإحلال كيانات اجتماعية هشّة مكانها،  جلب كل المحاربين إليها بأسمائهم الكبيرة المتعددة، قصف المدن والبلدان، حارب الجامعات، جعلها خاوية. ثم أصابه الجنون وقتل في قفرٍ خاوٍ.  وفي ليلة ونهار خرج من الأرض وهبط من السماء أشباهه الذين يجوسون البلاد بجنون وحقد بينين.

 

 

 

صباح الجمعة الأولى بعد اغتيال المناضلة سلوى أبوقصيقيص

 

*

سحابٌ منفوش في السماء، أبيض كشعر بائع الخضروات في سوق الظهرة القديم.

*

نعجتان تجريان كتفا لكتف خلف حضيرة الدواجن المهجورة.

*

صفّ أشجار أوكالبتوس في الحدّ الفاصل بن زيد وعمر، تترصّدُ فوقها طيورُ البوم ويتعاطى تحتها الشباب سجائر الحشيش والخمرة المحلية.

*

في الطابق الثالث من مبنى يطلّ على شرقٍ تتقاذفه الأعلام الملونة والسوداء، تتدحرج فيه رؤوس ضحايا ماضٍ ميّت مظلم، يعلو صوت بول سايمون: خمسون طريقة تفارق بها عشيقتك.

*

الكومبارس في الفيلم الهندي ينهون رقصتهم البورجوازية، يعودون مهطعي الرؤوس إلى أكواخ مومباي أو دلهي. متعبةٌ عضلات الروح، خاويةٌ فازات الورد. الشوكولاتة التي ساحت على قميص البطل لعقتها الفتاة ذات المؤخرة المثيرة.

*

يمكنني أن أفكّر لاحقاً كيف أخطّط لكتابة قصيدة (بحجم كتاب) عن المائة صوت في كتاب الأغاني للأصفهاني. أمّا الآن لا شيء نعم لاشيء.

*

بعد قليل سوف يأتي الخطيب السلفي العشريني، سيرفع سائق شاحنة وقود سابقاً الآذان وسيرتعش صوته   في حيّ على الفلاح، سيمرّ الأولاد بغلالات الأندية الأوروبية وهم يتعاركون على من سيربح كأس العالم لكرة القدم 2014.

 

الأشباح لا تولد من شجر الغابة

 

الأشباح لا تولد من شجر الغابة

ولا تبصر في حضرة النور، هل سمعتني؟

لم أكن هناك، حين غطّس ضفيرته في الماء،

كنتُ أبحث عن معنى ميلان الكثيب

وهو ينحدر جنوباً.

 

وجهٌ يحتمل ُبقعَ الطين المبلول،

وجهٌ بلا روح.

لا تقترب أكثر.

 

يمكنني أن أحدثتك عن الجموع:

الهائجة، المتلصّصة، السارقة،

الداعرة، الوالغة في الدماء.

 

موسيقى عالية النغمات؟

رقص يحمل إيقاعات الموت؟

نعم

يمكنني فعل ذلك.

 

 

مقالات ذات علاقة

المُستَبِدّة

عمر عبدالدائم

المُستَبِدّة

المشرف العام

يشبهني

رامز رمضان النويصري

اترك تعليق