صدر حديثا عن دار الآن ناشرون، كتاب “إلى أين أيتها القصيدة؟” للشاعر العراقي الكبير على جعفر العلاق، وهو سيرة ذاتية تجمع أطراف رحلة ممتعة وشاقة مع القصيدة والسؤال الذي لا جواب له، وقال عبد اللطيف الورارى، في كلمته في مقدمة الكتاب: يأتي إلينا الشاعر على جعفر العلاق من إحدى قرى واسط، وفى أثره طيور الحصاد، ونواح الريح في سفرها الأبدي وهي تتصادى مع أغنيات الفارين من حنين التاريخ. يأتي من أساطير دجلة وكأن ولادته نشيد لا نهائي، وأنه أومش للتو من قيعان هذا النهر السحيق ومعه أحلام الأطفال الغرقى.
تستدعى الذات ماضيها بصورة حميمة، وتستدعى معه حالات انبثاقها المتعددة، ذكريات الطفولة، النزوح من القرية، تجربة اليتم بعد موت الأب، اكتشاف الشعر مبكرا، الارتباط الوجداني بالأم، الاتصالات بالمجلات الثقافية، وكتب الأدب والنقد، وجيل الستينيات الذي عايشه دون أن يتورط في دعاواه ومواقفه الأيديولوجية، والسفر للدراسة وتوسيع الخيار الجمالي للشعر بين دمشق وبيروت والقاهرة وصنعاء والعين وإكستر ولندن.
ويتقاطع مع هذه السيرة الثرية المتشابكة، نسيج متنوع، وساحر، ومفجع، من وقائع التاريخ الجمعي الذي انطفأ في لحظة، وتريد الذات تأمله، بما ينغلق عليه من بقايا صوره وهوامشه، ومسارح قاسية وفواجع، حياة الغجر، فاجعة كربلاء، تبدل القيم، اندحار الحاضر، وجشع السلطة، وخيانة المثقفين.
كان على جعفر العلاق يكتب بدهشة ويقظة، وأفق بالغ الثراء، وظل يراقب قصيدته وهي تتطور على الدوام إلى أقصى ممكناتها، وتقوده إلى العالم غير عابئ بإغراء السلطة وزعيق الأيديولوجيا في ذروة صعودها، وغير خياب إلا من الفن والجمال، ومثل ذلك، عاش ناقدا مسكونا بجدوى الشعر وضرورته، ومثقفا أصيلا لم يتنازل أنملة عن حرية الإنسان اليوم، وواجب التطلع إلى عصر أقل وحشية وأكثر أمانا.