هيفاء نورالدين
يجلس وحيدًا أمام نافذته، حيث تقف شجرة ليمون بأغصانها المتآكلة. غصن صغير تحمل أوراقًا ذهبية يتحرك بهدوء مع نسمة خفيفة. يمسك بين يديه كتابًا تتلاشى حروفه، ويسكن الصمت سطوره.
في الشارع المقابل، يرتفع صراخ الأطفال وهم يتقاذفون كرة صغيرة، ضحكاتهم تملأ أزقة الحي. تأمل من بعيد وجوههم المتعبة، التي تكسوها ابتسامات بريئة رغم الإرهاق.
السكون يملأ الغرفة من كل زاوية. على الحائط، تتوسط المكان لوحة رسمها بلون رمادي، تعكس صمته الداخلي. يستدير ببطء باحثًا في أدراجه المغلقة عن ريشاته وأوراقه. أراد أن يلون لوحته التي طالما بقيت باهتة. جلس يخربش عليها كطفل يتعلم الرسم لأول مرة، محاولًا كسر رتابة اللحظة.
طرق الباب فجأة. التفت بضعف نحو الصوت، وهو جالس على كرسيه. دفع الكرسي ببطء باتجاه الباب بعد ليلة طويلة من العتاب، ثم سأل بصوت منخفض:
“من الطارق؟”
جاءه صوت دافئ من خلف الباب. شعر للحظة أن صمت الغرفة قد انكسر. وقف بجهد وتحسس مقبض الباب. تلك الليلة لم تفارق ذهنه؛ ربما جاءت لتعتذر.
فتح الباب، ووجدها واقفة هناك. بدت هادئة، ترتسم على وجهها الأسمر ابتسامة صغيرة بلون الورد الأحمر. كانت ترتدي فستانًا زهريًا مزركشًا، يزين شعرها الأسود وشاح بنفسجي. اقتربت لتحييه وهي تحمل بين يديها وردة حمراء من حديقتها، التي ذبل كل شيء فيها إلا وردها.
تقدمت بخطواتها الهادئة داخل الغرفة، دفعت الكرسي وجلست قبالته. سكن الصمت بينهما للحظات، ثم مدت يديها الصغيرتين لتمسك يديه المتعبتين. شعر بخفقان قلبه يتسارع. رفعت رأسها ونظرت إليه، ثم أخرجت علبة صغيرة ملونة كانت تحملها معها، ووضعتها بين يديه.
تردد للحظة، ثم التفت وأخرج دفتر الرسم من درجٍ غطاه الغبار. ابتسمت وقالت:
“اليوم، أريد أن أكون لوحة بريشتك.”
نظر إلى العلبة بين يديه وفتحها. تفقد الألوان، لكنه لم يجد اللون الرمادي الذي طالما اعتاده. سألها مستغربًا:
“أين الرمادي؟”
أجابت بابتسامة:
“لقد تعبت من سكوت الألوان.”
ظل مترددًا، لكنها اقتربت منه وهمست في أذنه باعتذار صادق.