نزوى 27 يوليو 2001
الرواية الأولى: خرائط الفحم (نثرية المكان كما جاءت في التداعيات الأولى لقمر ديسمبر الشتاء)
النثرية الأولى
… في خرائط الفحم، يقف السوريالي وعلى أصبعه قطة سوداء ولسان نار. يلبس قوس قزح خريفيا، وينظر إلينا بتلسكوب بؤبؤ عينيه.
يرانا وقت
نمضغ اللغم…
نتعرى في البحيرة
نسبح ولا نعود
مقاعدنا تقص على الرمل حكاية المدينة كان في الغابة شبحان
تقاسماها وقاتلانا.
… في خرائط الفحم، يقف…… حائرا بين كفيه كتاب
في الكتاب صفحتان غيرهما الزمان.
نبذره…… فينا.
… في خرائط الفحم أقف في باحة السؤال أتجدد
فتتجدد في السخافة
أركب سحابة، ربما غمامة
تمطرني إليكم أشلاء.
… في خرائط الفحم، خيال المرايا، حريق الظل.
أحد ما، من ذاكرة طوفان الحب، يشرب قهوته في غابة الورد،
ويستحم بالنبيذ.
وأحد ما، من ذاكرة الشعوب، يشرب قهوته في غابة الجثث،
ويستحم بالدم.
تصير فلسطين “لبن” وحرائقها غليون أمريكي
يصير الكون “بن” يعده الدرك، يشربه الخواء.
في الخرائط، يتداعى الحب المطمور في الرائحة
… ربما هو… بديل الفحم.
النثرية الثانية
ربما..
رأيت ظلي يحترق
فيطفئه المساء..
ربما..
أنا وأنت..
فتحنا الباب ذات مساء
فرأينا في المرآة
أمنا و(…) يخطئان
فينام بيننا الجمر
ربما..
في هذا المكان أتأملك كثيرا ثم فجأة تختفي
يصير أثرك نارا تحرقني.
ربما… أيها الصديق
كانت هذه آخر قهوتنا
ونمضي الى السؤال
هل أدركت الآن حدسي؟
– ربما….”.
التداعيات الأول
… في مطلع قمر ديسمبر الشتاء… الليل دخان الاحتراقات البعيدة. والبحر، امرأة تستلقي في الفراغ الكبير، وتمشط شعرها بقسوة النساء اللائي تأخرن عن موعدهن. من صاحب الوعد في هذا المساء؟
ماذا سيقول عنا هذا القادم الى مدينة الفحم؟ أصابع من أطراف تتلمس الأبعاد القريبة وتتحمس كم من الوقت هطل المطر، وكم من الوقت يجف المكان، وكم… على جدران الفحم وتشتعل النار.
سيقول عنا، نحترق فيها رغم كل الأبعاد… قمر ديسمبر الشتاء، شاهد سماوي، بل هو المرآة الهاطلة من السماء يلتحف ببعض السحابات العاقرة بعد هتك الركامات الدسمة.
هذا الفحم، هيهات.. يحتفظ برطوبة مطر واحدة عمرها أنفاس طفل يرتجل الضحك، أو لحظة جذل عابر.
ثم إن الشتاء ليس سحابة ويمضي. انه البحث في هذا المكان. برد ومطر وريح. مجموعة لا بأس بها من الليالي طقوسها رعد وبرق وخوف.
هذا الليل الذي بدأ في مطلع قمر ديسمبر الشتاء، هو الزمان بعينه. وهو الغناء والرجع، بظلمته ودخانه وعيونه وخوفه..بحسه ولمسه. بالتفاف كل الأغشية الكونية حوله هو. هو.. الخراب بعينه. هو.. هو الشتاء وكفى..
قال القمر:
“إرادة واحدة حسبت كل أهل المدينة، ودسوا رؤوسهم في صدورهم!”
قالت السحابات العاقرة:
“لكنهم لن يدركوا أنهم جميعا الآن في بيوتهم، وكل واحد بدأ بنفسه دون أن يشاور الثاني، دون أن يرده.. هكذا هم الآن اتفقوا جميعا على مغادرتنا”.
قال القمر:
“… بل على هجرنا”.
تقلبت امرأة البحر المزدانة بالفوضى وقالت:
“حبلت هذا المساء لوحدي.. حبلت بأنثى في جوفها ولد، هل تصدقون، تزينت هذا المساء لأجلهما..!”.
قال القمر متعجبا:
“.. في هذه الريح، وأنت تموجين كإعصار..؟!”
قالت امرأة البحر:
“كلا.. أولاتني الريح، كنت أغني..”
قالت السحابات العاقرة:
“تبا لك، امرأة تحبل بلا رجل”.
“رجلي حزن مدينة الفحم يا عاقر، ورجالك من صلبي، أنفخهم إليك ولا تنجبين. أخواتك يحبلن ويلدن ويتعاطين الفرح مع زبدي. أنت هكذا ولدت عاقرا وستتلاشين عاقرا….”
– وجه المدينة الأسود يكتب حزن الليلة بالريح التي تقهقه الآن بين سيقان الفحم الحجري. وفي الزوايا المدببة تعزف شقيقاتها لامرأة البحر التي تعوي وتلفظ الأنثى التي.. في جوفها ولد.
-… المرأة، القمر لبعض العيون، الشاهد على هذا الخبر، تسمسر عن عينيه السحيبات، غشاوة التركيز.. وهو، القمر، يطالع في جمال الأنثى وهي تبلل الرمل بالدم الأزرق الوردي. والموج يدفعها عن الرحم النقي، والريح تزأر، والرمل المشبع بالدم. وهذه امرأة البحر مازالت كعادتها الأبدية، تستلقي في الفراغ الكبير، لكنها الآن في كبرياء المرأة التي ركبت الحصان المعدني، وطافت تقاتل بأرض الحاكم الحديث. ثم عادت بعد وقت تتوسد يبابنا وتنام..
الشاهد.. القمر/ المرآة لبعض العيون السفلي، رأى فتاة كحواء، جميلة وفاجرة. تتقوت نصف تفاحة، ويتلاش النصف الباقي في البحر. قاتلتها أمعاؤها، اعتصرت، تقلبت على الرمل العارية، ثم شدت بأصابعها تقبض على الفراغ، تصرخ.. ثم تبعثرت بفوضى. امرأة مبعثرة، ممزقة.. وعلى ساقيها تشكل مجرى الدم، وعشب الرحم يندلع خلف الولد النائم. يكبر الولد عاريا ثم يرحل عن الجسد الهامد. لكن الشاهد حين رأي كتلة اللحم تكبر، وتجر أطرافها فوق الرمل باتجاه المدينة، احترقت أعشاب الرحم كالوصية، وأمه تلم شعرها وتتزين.. ثم غطت بركة الدم بالرمل. وبينما كانت تبحث عن الزاحف نحو المدينة هجم البحر وخطفها.
حينها صرخت السحيبات العواقر:
“تبا لك.”
فضحكت امرأة البحر وقالت:
“ربما..ربما أحبلها الآن رعد، أو سحابة غير عاقر.. أو أعيدها إلى طفلها العاري في مدينة الفحم..” وتوارت ضحكتها في الخواء السحيق تجلجل. والقمر أفاق بعد وقت من دهشته ودس رأسه خلف السحاب. القمر.. هذا الآفل، شاهد غير ناطق. هذا القمر الديسمبري في شتاء هذا العام المتأخر سيدفع الثمن في ليلة ذكرى ميلاد المسيح، ولو لم يقل للرجال الذين سينهضون بعد قليل من غطهم “أن البحر متآمر.. احذروا ولدا ربما يكون عاريا، لكنه لا يشبه أحدا.. رائحته قدرية، ويحن إلى الشطآن.”
من حالات التكلس ولدت هذه المدينة. كانت وسط العالمين.. ويشقها خط جرينتش. ومنذ ألف عام تنازعت عليها جيوش الغرب والشرق، الذين لفظتهم أمهاتهم وهن يزنين مع فلاسفة وعباقرة القرن السادس عشر، حتى الثامن عشر للميلاد. ربما.. ربما لم يقل لنا يوما هذا القمر المشاكس رغم صمته أن أم هذا العالم تتعاطى الأفيون الصيني، وتتعاطى الجنس مع البهائم. غير أن مناهجهم التربوية مجرد طقوس عشائرية منذ مات ذلك الواعظ في الصحراء، وهو يطالع عامه الهجري ونجوم يونيو ويوليو بعد الميلاد.
– مدنية من فحم /هذا ما تبقى من كل شيء..
هو احتراق الشيء في عالم تضاد.. احتراق المرمر بعد كل الأحوال. حتى الحرب العالمية الثالثة التي كان قبلها بدقائق الطفل يلعب مع قطته. بعد دقائق، أصبح الطفل فحما متشنجا، والقطة فحمة تسأل.
..ألا يحق بعد كل هذا الصمت أن تدلي بشهادتها كل الأشياء.. السماء والبحر والقمر والنجوم.. وأمهاتنا المنفوخات منذ اقتسام التفاحة.. والعمر المديد…
مئة عام قد تقل أو تزيد، وكتب الله تعيش غربتها فينا قبل احتراق الفحم. كل شيء فحم، الجدران الصخور الوجوه.. رماد…
… قابل في الرابعة أن يشتعل ثانية.
سأل القمر نفسه سؤالا:
“أنا ابن (…) الذي لا يتكلم.. لا أدري لماذا أشنق هكذا؟! فأجابه الملأ:
“لتقرأ كل شيء”
ثم بكى. شعر بالانشراح وبكى، وأغمض عينيه يهذب نفسه.
-… بعد وقت من عمر مكلل للفضاء، تنادى فيه السحاب وجمع حرابه وأقواسه.. ثمة رجل وامرأة عاريان يقاسمان اللذة.
نهضت الريح من حيث لا يدرك الفراغ، وقالت في المكان:”أنا!”
فرد السحاب واثبا:
“بل أنا!”
فتعاركا/ الريح تضرب والمطر. هاهما الآن يتقاسمان مدينة الفحم
نحت وبلل
الرجل يزأر والأنثى تفترس.. ثم فضت الريح بكارة السحاب في حضور النشوة
قبل الرجل نهديها قبلة نازية، ونام. ونامت الريح في حضن السحاب.. وكذلك القمر.
استسلمت للراحة حيطان الفحم، ونامت هي الأخرى تحضن أولادها التعساء الواجمين، وفرسانها وجبناءها. تحوي الرجل الذي نام، والأنثى تعقد خصلة من شعره وتستذكر.
– لاذ ابن البحر في المدينة عاريا. يتخطى الموتي وواجهات النوافذ. لا ذاكرة له سوى التعب. الليل كله فحم يلتمع وتعاريج قصيرة وطويلة. والطقس في الهزيع الأخير.. ربما.. كان القنبلة الزمنية /.. تك.. تك.. تك.. ستنفجر بعد قليل. أو أنه ربما،
الزمن توقف وأطبق الصمت أذنيه.
سقط ابن البحر في عرض الشارع، وذاكرته الآن كأنه طاف شوارع سوداء، وسقط إلى أرض مبتلة وباردة.
في الصبح عندما أزاحت الشمس القمر، وبانت شعلتها الأولى، خرج رجل مشوه، مسوخ الحرب العالمية الثالثة. رأى ولدا عاريا ملقى في شارعه الخامس، يتوسط بعض الجثث المفرغة. أسرع إلى اللحم الأبيض جاحظ العينين، وخطفه إلى بيته دون أن يرده أحد.
… والشاهد الآفل، أين هو الآن في هذا الفضاء الذي تملكته الشمس؟!
غطاه بعباءة جيش بالية. دعك له جبينه ورقبته الناعمة بالزيت. صار الجسد الأبيض الناعم حاميا وأحمر ثم نز بالعرق. صامت ابن البحر وغائب. مدده الرجل المشوه على الفراش وأغرق يديه بالزيت وطفق يدعكه من رأسه حتى قدميه. اهتاجت نزوة الرجل وارتعد في حمية /… تسلقه عاريا.
– ديك الكابتان المجاور، الوحيد في المدينة، لا يصيح إلا متأخرا.. وبعد وقت من العبث في البيت المهجور، يفتش عن الكابتان الذي اختفى وراء بذلته العسكرية. هيكله العظمي يجلس مرتاحا على كرسي مكتبه المغبر.
فور انتهاء الرجل من لهاثه المحموم بعد صياح الديك، تحرك ابن البحر.. فاقترب منه الرجل البشع يتأمله في فضول، يمعن في عينيه الزرقاوين ورموشهما الكبيرة.. قال: “من أنت أيها الفتى الجميل؟!” نظر إليه الولد طويلا والسحر في عينيه يذهل الرجل الذي اقرب منه أكثر، وسأله مرة أخرى بتودد: “أنا أسألك أيها الفتي.. من أنت؟!”
مسح الولد جبينه وخديه، ورفع خصلة شعره الكستنائي الناعم عن عينيا البعيدتين،وسافر يحدق في عيني الرجل، والرجل يتأمل ويسأل فاغرا فاه:
“… ها، لم تجب.. من أنت ومن أين أتيت؟!!” تحركت شفتاه الحمراوان / تمتم قليلا/… وفتح فاه كاشفا في لحظة عن لسان أزرق ولثة زرقاء ذعر الرجل وارتمى إلى الباب يكتم صرخته.
كانت همهمة الفتى، موجا وعاصفة. صباحهم ثقيل، صباح المدينة السوداء. من يفيقهم إذا كان ديك الكابتان ينهض متأخرا؟… يبحث عن ذاته المفقودة وقتا ثم يصيح. من يفيقهم إذا كانت الرغبة تساوي صفرا في حسابات الموت المعلن؟!
الليل زمان أسود
… وهذا النهار القادم ليس سوى نهار مرتد وبليد. أضاع ليله الطويل لحم جثث الربابنة والقادة العسكريين.. حتى أن حفنة القساوسة على رصيف المعبد المدك رأوا يسوع يستحم بالخطايا.
.. لمن يسبحون لغير الرب الباقي في بعض الناس. خرج الرجل البشع يصرخ في الملأ:
“لقد رأيت ابن الحروب يستفزني. آه لو كنت أعلم لما فعلت فيه، هذا الابن الوريث..”
راوه يجري، نظروا اليه نصف مغمضين ولم يبالوا. كانوا جالسين الى الأرض يدعكون مفاصلهم ويهرشون. والنساء تئن، وهن يرضعن صغارهم البراغيث. كانت أثداؤهن رخوة..
يجوب بها الأطفال حول بعض الكلاب القذرة وهي ترني في تاريخ هذه المدينة الأم بعد الحرب العالمية الثالثة. كست جلودهم طبقات سميكة سوداء، جعلتهم لا يبالون بديسمبر الشتاء. وجماجم علق بها بعض اللحم تتذكر خطيئة آدم وخطايانا.
– .. لقد جن الرجل جنونا عظيما، يبرهن أنه نام مع ابن البحر ليلة كاملة، وكان لسانه أزرق ولثته زرقاء مثل البحر. تلك السحابات العاقرة فك عنها الرب وبكت. سقطت تغسل خطيئة هذا الذي فعل في ابن البحر. وحدها كانت تعلم، والقمر السجين في الغياب.. ان هذا الفتى الوسيم، الذي يشبه سيدنا يوسف، هو ابن البحر وليس وريث الحرب كما يزعم المجنون الذي طاف ببرهانه على الخلق جميعا. كان يطوف ويقول: “انظروا… لقد ضاجعت وريث الحرب، لابد أن نعثر عليه ونصلبه أمام المعبد.. أنت أيها الأب الطيب، ارفع يديك الى السماء وآتينا به..”
كان القسر ينفر منه ومن دليله المتدلي.
“أغرب عن وجهي لعنك الرب.. أغرب لعنك الرب على هذا البلاء.. أنت ملعون، ملعون الى يوم الدين “. والرجل يتشبث بجلباب القس:
“سبح لهذه اللعنة أيها الأب الطيب إذا كانت أكثر من هذا المسخ الذي تراه عيناك الكريمتان، وأكثر من هذا الفحم.. يدك أقبلها أن ترفعها إلى السماء، ليس من أجلي. بل من أجل المطارنة الذين ماتوا من أجل يسوع…”.
ثم رأى بأم عينيه الدامعتين، النساء يركضن وراء صغارهن الذين طاروا بلا أجنحة. وقفوا على نوافذ عمارات الفحم يترقبون الفتى الأسطوري ابن البحر الذي نفذت رائحته من جهة البحر يتلألأ في السطوع المؤقت لشمس ديسمبر المنهكة.. وعادوا.. عادوا يغطون السماء ويرجمون القس ويفرون. سحاب كثيف مقبل. علت عاصفة. صمت الجميع في وجه العاصفة والسحاب الأسود. هجم الدخان الأسود على المدينة السوداء. احتمى الجميع بجدران الفحم.
والقس يرجو الرب وسط الساحة المستباحة. ما لبث حتى قفز مثل كلب إلى الجدار. الساحة في هذا الإعصار ملك للرجل وخطيئته. ظل يصرخ ويرجو الرب، والقس يقذفه بالحجارة من بعيد ويلعنه ليتوقف:
“توقف عن صلاتك أيها الملعون.دع عنك الرب أيها الوغد… ستموت.. حتما ستموت…!”.
لكن الاعصار كان أقوى من كل الأيادي، ومن كل الدعوات فحجب عنهم في زوبعة توارى فيها.. ثم.. ثم هدأ الاعصار. ليس للرجل أثر. هرع القس الى الساحة يصيح: “ها هو الرب قد استجاب لدعواتي، وخلصنا من هذا الكافر الذي ادعى الخوارق..”،.
وفيما كان الجميع ينصتون ببلاهة ويجرون خطاهم عائدين الى بيوتهم المعتمة، سمع القس هاتفا يقول له محذرا: “إنس أيها الأب حكاية هذا الرجل…”.
ركع القس وحيدا واجما داعيا المغفرة… في حين كان البحر يطلق على الرجل حيتانه الصغيرة الجائعة دون أن تقطع أنفاسه.
مزقت جسده الحيتان أمام مرأى من ابن البحر الطافر في الخيال..
ثم راه حقيقة أمامه.. يتقدم صفوفا من الذكريات الحمقى، وعصر له خصيتيه حتى قطع نفاسه.
.. قبل المغيب، وبينما كانت إحدى النساء تحمم طفلها على الشاطيء رأت جثة الرجل تطفو على سطح الماء. عادت وجلة تركض إلى المدينة وطفلها يقول:
“لا تصدقي بعد الآن أي كلمة يقولها القس يا أماه “.. وبينما كانت تصعد الشارع الرابع صادفها القس يحضن خنزيرا صغيرا. ارتبك لرؤيتها وهي تجري.توقفت أمامه وتفلت عليه.
فأطلق سراح الخنزير وقال:
“لا تغضبي هكذا يا امرأة، كنت أداعبه وأنا في طريقي إلى المعبد…”.
فقاطعته غاضبة:
“لست بسبب الخنزير أيها الأب الخبيث، لكن بسبب الآلهة التي تطفو الآن فوق الماء وهي في طريقها إلى الشاطيء..!
كم القس فاه المرأة يسألها بدهشة:
“ماذا رأيت بحق السماء؟”
فقالت وهي تهرب منه قبل أن يسدل الليل:
“لقد رأيت الفاعل في وريث الحرب يطفح عاريا فوق الماء”.
النثرية الثالثة
ربما…
كان الليل رحمنا الكبير
يحبلنا مده
هذا طابور ميت
هذا يشقى
هذا، لا شيء
ربما..
يكرهنا الليل
يطاردنا مده
ثم يلفظنا بصقه
ربما…
صبحنا عقابا لا يقرأ الإنجيل يقرأ(الإرهاب والحرب والدمار).
صبحنا عقابا لا يرتل.
يقرأ برهتنا / عزلتنا
يقرأنا…
ربما.
النثرية الرابعة
– كلما أحسسنا أن الآلهة لحم
صرنا فقراء
جثة من فحم –
التداعيات الثانية
– .. في المدينة الفحم، لا يدري أحد من أين هجم عليهم نباح الكلاب. صداها عنيف على الآذان. وكأن هذا الليل استهل آياته بهذا النباح الحاد منذرا عن دهشة جديدة لم تعشها المدينة منذ زمن.
كانت السماء قمرا محترقا، تنفث دخانا سرابيا، وأحجار الفحم تلتمع في الندى المحسوس.
اجتاح المدينة ألف جندي مشوه. كانوا في المدينة يهمهمون بلغات الحرب، ينذرون الحرب، ينذرون الطبيعة الكائنة بالزوال. لا أحد كلمهم. كان أهل المدينة الغرباء عن أنفسهم يطالعون المشهد الجنائزي بصمت. يطالعون المشهد الجنائزي بعيون غائرة. حتى أن بعضهم اعتلى الشرفات والنوافذ من أجل الذاكرة.. فهذا النباح ينذر بتلك الليلة العجيبة التي تكررت في خيالات الفحم.
ارتعبوا بغتة اثر الدوي الحاد، وأطلوا ببلاهة يرقبون جثث الضباط وجنود الصف من المشاة المتناثرة الهامدة على طول الشوارع والأزقة والميادين السوداء. تحويهم جدران الفحم اللامع مع الندى، يمتص الأسفلت البارد الدم والصديد ويبتلع دود الحرب هشاش العظم.
المرأة ذات الوشم، والطفل والقس، هم الواجلون المرتعبون المحاصرون. اجتاحهم الرعب فساقتهم أقدامهم إلى المعاقل. التحف القس بجلبابه الأسود وهرب…
لكن بعض الوفاء ليسوع شده الى الوراء.. الى شاطيء البحر حيث تطفو عين الشاهدة. هتك القس باب الدار هتكا، وصدى النباح في أعقابه.
أما السيدة الصعبة فأول الأبواب المخلوعة من أثر القصف عزمت قضاء ليلتها. ابنها ما كف لحظة يبحلق في الفراغ والظلمة ولم ينبس بكلمة. ينصت في صمت الى عظمة السكون. خيم الصمت على المدينة. لا صوت الآن يباغت السامع غير موج البحر من بعيد.
تسلل ضوء القمر خلال الباب المخلوع. قال الطفل يتمتم: “… كيف سكتت الكلاب يا أمي…؟!”.
عادت مفقودة. عادت ينير لها القمر الطريق الى شقتها في الدور الرابع من المبنى المهجور. عادت مقسمة الى أحوال، في خاطرها رؤية الجثة الطافية. وفي خاطرها لو ذهب القس وراه. وأن يمضي الليل هكذا ولو ساعات حتى تنام، أو أن تموت قبل أن تسقط باكية.
أفاق الطفل الفؤاد يسأله:
“لابد أن في بطن ذلك الرجل سمكة، أو خاتم أبي. ألم يكن في أصبع أبي خاتم وهو يحارب
الأمريكان في البحر…؟”. قاطعته وباب العمارة مفتوح، وبعض الفحم في الأدوار المهجورة يتساقط وكأن جوف الأرض يتكسل: “اصمت، اصمت… لا تحكي كثيرا”.
كان القمر يقظا وهو يحتسي الشاي في الطابق العلوي. أزعجت وحدته بعض السحابات وهي تعدو وراء بعضها وتضحك. كانت سحبيات جميلات كالملائكة خرجن من ديارهن الهادئة يقضين وقتا جميلا في ربوع السماء. هذه تجري.. وهذه تجري… وأختها الكبيرة تلاحقهما. ولم يجدن هذه الليلة غير كتلة القمر يطفن حولها داهشات، كل واحدة تريد الإمساك بالأخرى، قرفص القمر لهذا المزاح السخيف، وشرع يهشهن بعيدا عنه، وهن يحجبن عنه المدينة. أخذ عصاه وركض وراءهن فيما صرخن عائدات الى دارهن الهادئة.. ثم عاد القمر حافيا الى وسادته يلتف بالسماء ويبحلق من جديد في مدينة الفحم.
-… ناموا
ناموا جميعا بعد الهمس المريب، ولا أحد يدري الى أي مدى من الحكايات وصلوا.
ناموا، وحشرجات الهمس تغادر الأسماع بهدوء.. ومشاهد الكون في معجمه الكبير لا يرى الآن إلا قمرا شيخا يطل برأسه على فحم مصفوف.
– .. في منتصف الليل، والأفيون يسري ولا يبيد، نس القمر. احمرت عيناه فغاب في النوم مثل الجد الطيب الذي كان يقس على المنارة قبل الحرب.
نام القمر متخدرا بأنفاس الأطفال… ولا حياة لمن تنادي، وفي صمت، نادت الكلاب بعضها، ركضت بخفة وتجمهرت في الميدان الأسود الكبير.
ما يقرب من مليون ونصف المليون كلب غصت بها الشوارع المؤدية الى الميدان. بعضها من كلاب الحرب البلقاء التي كانت شاركت في الحرب تحفر القبور للطلائع من الجنود المتطوعين. وتعطب توصيلات الكهرباء من الجانب الشمالي لخداع الأساطيل الأمريكية وايقاعها في فخاخ امكانيات دول العالم الثالث. والبعض الآخر كان يرافق الجنود الى الخلجان الصغيرة ويحرس غرف المخابرات ومحطات الإرسال الإذاعي. عندما وصلت الكلاب الى الميدان الأسود، قامت بجر الجثث المتفسخة والهياكل العظمية لتخزينها في مخازن مصنع السردين الواقع بالضاحية الشرقية للمدينة. حتى أنه بعد وقت من الحملة الكلابية الرائعة صارت كل الشوارع نظيفة. فإذا ما
نزل المطر غسل آثار الدم القديم، والتهمت البلاليع فضلات الذبائح من أصابع الجنود وأسنانهم، ورتب الضباط ونياشينهم.. وتكون المدينة السوداء آنذاك قد تخلصت من بعض آثار الحرب الشرسة، واسترد الناس بعض أمانيهم في أن الحرب لن تعود.
واختفت الكلاب في لمح البصر. حتى إذا ما أفاق القمر من غفوته لا يسجل في ذاكرته غير الدهشة. ويفاجأ أهل المدينة في الصباح باالغسيل.
-… لكن ابن البحر كان هناك. يخرج من البحر هذه المرة بلا فوضى، يسحب بسلسلة باخرة حوتا عظيما ويجره الى الشاطيء بهدوء.. ثم أغمض الحوت عينيه وفارق الحياة. وعاد ابن البحر يسبح في أمه. تارة يركض فوق سطحها، وتارة يغطس فيها.. ثم توارى في دائرة من صخب الأمواج. بعد وقت فتح القمر عينيه على الحوت الفوسفوري العظيم الرابض على شاطيء المدينة في هدوء.شهق القمر أول ما راه. أصابته نوبة قلبية فسقط الى البحر محدثا ضجة هائلة أيقظت أهل المدينة من سبات عميق. قفزوا الى النوافذ والشرفات يلطخهم زبد البحر ويلفح وجوههم البرد.. موجة اثر موجة، والرائي من بعيد يرى قنديلا في البحر يغوص وينطفئ ثم عادوا الى النوم في السواد الكالح.
-..قبيل الصبح عند الفجر صاح ديك الكابتان مبكرا على غير عادته. قلب الدنيا يبحث عن صاحبه الكابتان اللطيف. خرج الى الشارع يصيح في الناس لوعة الفقد، غير أن أهل المدينة تثاقلوا في النهوض من شدة الأرق، كما أنه كان من عادة الديك أن يصيح متأخرا خلاف هذه المرة. أيضا الشمس لم تطلع بعد متباهية كعادتها بفستانها الأحمر وتحتل مقعد القمر الخجول.
قال الديك كلاما غير مفهوم وهو يجهش بالبكاء وينزع ريشه بنزق عن جسمه النحيف، وقيما خرج الجميع يفتشون عن كابتان الديك، فوجئوا باختفاء الجثث وبرائحة الغسيل، وبالمدينة الداكنة.
وفيما كبر السؤال وكبرت دهشتهم طار الديك مبهورا في سماء المدينة يصيح عاليا لآخر مرة، وتحول أمام الجميع وفي صوت رعدي مفاجيء الى (قمر اصطناعي) ذي جناحين يابسين وهوائية في رأسه. صار الديك كالأقمار التي كانت تطلقها أمريكا في فضاءات الكون قبل الحرب.
تسمر الجميع في أماكنهم. صاروا غابة من الوجوه الواجمة، فيما تعرى ابن المرأة الذي كان في خاطره أن ينام وتحول في صوت يجعجع وفحيح وغبار، الى ثعبان كبير فغر فاه والتوى في نزق، ثم اندفع الى السماء بلسان من نار في اتجاه الديك التكنولوجي المتوهج لابتلاعه. لكنه كالملكوت الطائر بقوة، سقط رأسا وبكل ثقله على الميدان وانفجر. بكت أمه بكاء مريرا كبكائها يوم اندلعت الحرب واحترق زوجها مع الطلائع وهم يواجهون الأسطول الأمريكي بمركب الحواتين الخشبي. بكت وأهل المدينة يواسونها “زوجك بطل / ابنك بطل..” كانوا جميعا، كبارا أو صغارا يملأون صدرها بالمواساة ما عدا القس الذي كان يتفرج من نافذة شقته بشماتة ويشكر الرب الذي أحرق كبد هذه المرأة التي لعنته ليلة البارحة، ورفع يديه الى السماء قائلا:
“لا تغفر لها يا يسوع ذنوبها. جردها من ثيابها وليفعل فيها الشيطان أمام الناس فتحبل بالذنوب الى يوم القيامة..”
..فيما كان الديك التكنولوجي (القمر الاصطناعي) يمد جناحيه اليابسين في سماء المدينة والناس تسأل سر هذا التكوين بوجوه تتلون ولا تتغير.. صاح رجل يركض من جهة البحر ينادي في الناس جميعا وعندما توسط الحشد المشتعل سقط بين أرجلهم يشحذ أنفاسه ويتمتم بكلام غريب:
“.. عند البحر دنيا جديدة.. عند البحر كارثة.. عند البحر..”.. وقبل أن يلفظ آخر أنفاسه خرجت من شفتيه البيضاوين “رأيت ” السائلة. هرعوا جميعا الى الشاطيء يستطلعون الأمر، هناك على الشاطيء الفسيح رأوا فيما رأوا جسما له ظل جبل. كان حوتا فسفوري اللون تحتل هامته جزءا كبيرا من الرمل ويتوهج في ضوء الشمس الكبير. ..جاء القس يهرول. تقدم الجميع وركع يتلو شيئا من عنده ثم وقف أمام وجه الحوت وأشار بالصليب عند رأسه وصدره وقال مخاطبا:
“.. ابشروا.. لقد انتهى زمن الجوع والحرمان والخوف من المجهول.. هذا غذاء من الرب منحه إياكم بعد صبركم الطويل. لقد انتهت الحرب إلى غير رجعة. لقد دخلنا سلاما جديدا، وعلينا أن نعمل من أجل دنيانا. لقد تعبت والرب وأنا أدعو الى هذه اللحظة التي أرى فيها الغذاء يهطل من السماء لأجلكم.. عليكم يا أهل هذا البلد الآمن طاعتي، فدعواتي مستجابة كما تعلمون. فمن يحملني في قلبه خيرا رأى الخير كله، ومن يحملني في قلبه شرا رأى الشر كله، كما فعلت مع هذه الفاجرة التي كانت تسقي طفلها غسيل عاداتها السيئة..أرأيتم كيف هي الآن مرمية كالكلبة اسمعوا، أنا أقول لكم…”. صوت ما. صوت ما من بين الحشود الهامدة مزق الصمت. انتفض مذبوحا ومات. راه الجميع يموت لوحده، ورأوا أيضا غبار الرمل يستقر من جديد والقس يكمل:
“دعوه.. لا يمسه أحد. قلبي يقول انه كان يلعن يسوع في حضرة كلماتي السماوية. هذا جزاؤه لا تمسوه. غطوه بحفنة رمل، لن يكون هذا اللعين في المساء غير طعام لتلك الكلاب. والآن هاتوا ما عندكم من أوعية. هاتوا ما عندكم من كل شيء وأذنت لكم أن تقطعوا لحم هذا الحوت قبل أن يمضي الوقت وتقضي عليه طيور البحر…”
البعض طار. والبعض سقط فداسوه. والبعض تردد ثم تسلق جدار الحوت يقشر ظهره العظيم وينهش اللحم نيئا. اللذة في أنك تحيا وأنت في الرغبة.
تبعهم طابور آخر، والقس يقتعد صخرة مرمر في انتظار أجرة دعواته. لكن بعض من أكل سقط الى البحر. نماموا قليلا ثم طفوا. أعداد هائلة تصعد ظهر الحوت. ما يسقط من هذا النمل يصعد آخرون. أفاق القس من نشرته. جثث يمرجحها الموج. هم بالنهوض. الجوع أعمى عيونهم، وفي هذه الحال تساوت الرغبتان.. أن تحيا، أو تموت. كلتاهما حمية خلاص من هذا الجوع. جاء الباقون بالأواني والفؤوس. بعضهم يقطع بالفأس، والآخر يلتقط ويملأ الأوعية. بعضهم غصت أوعيتهم فامتلأ الرمل بأهرامات اللحم. والفؤوس تشق ظهر الحوت. عمل متواصل لا كسل فيه.
والقس الآن يشعل سيجارة ويغني، والشاطيء يضج بهرج الشعب ونعيق النوارس.. والموتى يطفحون على الماء باتجاه الخلجان.
رسام ما
رسام ما رسم هذا الجو من مرئيات الواقع المدقع من الموت والعدم والفوضى..وعينا الحوت تتسعان، اغماضة وانفتاحه.. ثم هذا الجبل الكبير يفتح فاه فجأة بصوت حاد كاشفا عن قبو أزرق به رماح مدببة. رفع ذيله عاليا وغادر الشاطيء. ضجة عميقة من الأمواج أثارها الحوت وهو يتوغل الى الداخل. طارت النوارس مبعثرة في الأفق وصاح الذين علي ظهرها صيحات واحدة كجوقة ملوعة. برهة أو يزيد من قيامة البحر، كان الموج فيها يحمل سلالا من البساتين الطافية.
جثث ملونة، وقطع اللحم الأبيض غابة متجددة لطيور البحر الناعقة، تعيد للرسام مجد السورياليين. طير يا سادة في الهواء، يحمل وزنه مرتين فوق غابة اللحم المرمل.. والقس منذ وقت يقرأ الوعد مرتين في دهشة من أمر ربه وطعامه البارد. من بقي من أهل المدينة على قيد الحياة، بكى يرقب عبر غشاوة الدمع تلك الزوبعة الهائلة في أعماق البحر. وفي حضرة الصحو صار الجميع يغني أغنيات البوادي التي ترددها قوافل الفجر عند الرحيل.
أم الطفل الذي انفجر في الساحة تحاكي طفلا من رمل صنعته. تسأله ما هي الساعة الآن؟
وطفل الرمل لا يجيب. هي تضحك وهو لا يجيب. ثم تهم الى تقبيله وهي تقول يا طفلي الصغير.. لكنه يتهدم أمام القبلة فتعيده من جديد. ثم أقفلت عينيه وقالت، نم.. ونهضت تجر خطاها الثملة فوق الرمل باتجاه المدينة، يغالبها الحنين والحنان.. لكن طفلها الذي من رمل فاداها يصير من بعيد…”خربيني يا أما… اهدميني…” كانت امرأة تقرأ الصدى في خطواتها الوحيدة ولا تعود..
.. “دمريني يا أماه…”
.. سيد الوقت في المساء يتحول الى غليون. الريح تعصف به والدخان سحاب عابق.. هو يفكر.
أحد ما يجلس في البحر ويدعوه الى كأس فودكا. يأبي أن يرده. الحراس يحصون أعداد القتلى. وهو يدخن الغليون والشرفات تعبق برائحة شواء الحلم. يطفر القس من جنح الليل يتخفى.. يرفع جلبابه ويتبرز. أحد ما يهمس في نشرته يدعوه من جديد الى الشراب. لكن الموتى أقبلوا الى الساحة يحملون القناديل. كانوا ملطخين بطين الموت، ويهمهمون في الظلمة همهمات تبعثر الزمان والمكان. هرع القس اليهم. نط. تعثر في جلبابه اقتربوا من الرجل الجديد ودخنوا من غليونه. سحبة سحبة. ونفخة. تحصب عيناه الوجوه المحفورة فترى فيها أعيادا مطفأة.
أحدهم يدعوه الى خلع بنطاله الأمريكي. يأبي. يلسعه أحدهم بلسان نار.. يخلع بنطاله ويتقوس لهم. يتداولون عليه. كل واحد يكتب مذكراته القديمة فيه ويتثاءب. كلهم فعلوا. وكلهم تثاءبوا… ثم أعادوا اليه غليونه. شكروه وعادوا من حيث أتوا. الصمت وشوشات والحلم شواء.
ردد الجندي الأمريكي أوامر الجهاز اللاسلكي، أن يغمض عينيه ثم يستفيق من غفوته، وأن ينسى القوم الجدد. يحاول الا يردهم في ذاكرته. عليه الآن أن يحفر في الساحة حفرة ويتذكرني أنا وحدي وهو يدلق فيها قنبلة أمريكا الرابعة…في الصباح تجمع الموتى يطوقون ابن البحر العاري وموج البحر ينفخ الرمل في اتجاههم. وبعد وقت ربما كان طويلا، سكت ابن البحر عن المناداة، وسكت الموتى عن تخديش وجهه الجميل. وقيما طفت جثة القمر فوق سطح البحر، لمح المساء عجوزا من ضوء يدعو قافلة عربية للصلاة في الساحة!.