في المجال السياسي الهش ، لامانع من أن نصدق ما يأتي به السياسي أو المثقف السياسي من أفكارٍ أو برامجٍ أو عباراتٍ قد تكون – بدرجة مدهشة – نصفها الأول كاذب ونصفها الآخر وهمي وينازع بعضها بعضاً دون الخوض في شؤون مصادرها والتدقيق في مدلولها كذلك طالما أننا طوعاً لا نشك في ذلك ولا نتفاعل مع تلك الأفكارعلى الأقل فكرياً لتجنب مزالقها ومزالق طغيان السلطة الساري فيها حسب رؤيته عن فكرة الحق المنتصر وخصمها فكرة الباطل المهزوم.
فالكاذب السياسي -على افتراض أنّه كاذب- كلّ ما يملكه في حوزته مجموعة من مفردات اللغة وعباراتها التي تحمل بعض المعاني الإديولوجية والسياسية والتي يتماهى معها دون تمحيص كي يوظفها بهدف تمويه الذهن البشري والسيطرة عليه حيث المتلقي يتلقف ذلك عميانياً من دون التفكير في معانيها وفي حقيقتها وإلى أين يمكن أن تقود الناس وفيما ستنتهي إليه وما ينتظرها من أحداث قد تقع على نفس الناس فتفرقهم شرّ تفريق.
وبداهة الأمر أنّ فكر المثقف السياسي عرضة للشك ومن حقنا أنْ ننكر عيله بعض من أفكاره الخارقة وربما الحالمة.
والحيرة…
في تحرير الوعي من المعنى السطحي لأفهوم خلّده التاريخ زوراً حاملاً من وجوه التصادم ما أرهق المجتمع بالغلو في تمجيده سياسياً واجتماعياً وبالشعر والموسيقى والغناء أيضاً ، فهذه كلمةٌ غدت مشكلة في الحياة بشكل عام سُميت باسم عزيزاً على مُحبيه ونحن إلى يومنا هذا لا نعرف كيف تلاشي – وياللعجب – كيف اختفاء: الأشتراكية. فالأشتراكية لفظ أثير يحمل أكثر من مدلول سحر الناس وغنت له عواطف الشعراء ثمّ دار به الزمن وفقد بريقه دون جهد كبير في انظمة التفكير والثقافة ؛ وبمعزل عن انحدار أسباب القوة الكامن فيه ، فتعارف الناس على موقف ساحر آخر شبيه في المخادعة، أّيّ عرفوه في الديمقراطية بثقة بالغة مستورة ومكشوفة في نفس الوقت ، وهو لفظ تسمعه وتقرأه ويهرول خلفه الناس ايضاً بهمة ونشاط وكأنّ الظن فيه كاليقين وعلامته النشاط الخيالي الغامض.
وواقع الأمر من جهة الفكر في السياسة فإنّ اديولوجياً ” الأشتراكية” تستند على ركيزة أفهوم عام ميتافيزيقي أكثر منه سياسي لا يعتمد على الحجج البارعة بقدر اعتماده على التمويه السهل ، فلم يتحقق على أرض الواقع فهجره صاحبه ولم يحقق آماله فطفق يجدف وراء أفهوم آخر ميتافيزيقي وأكثر شهرة وتداولاً بين محبيه والمدافعين عنه باعتباره يحدد لنا الغايات والتماسك الأجتماعي و السياسي ، غير أنه عند الصحو من نشوة القبض على الوهم فنجد بسهولة إلا هو ولاء موزع بين اللفظ الحميم الأول وبين اللفظ الثاني حسب نعيم الريع المالي وما تكسبه اليد غشاً في سوق الثقافة المزوّرة.
أحياناً يحار المرء فيما يختار فيظل يحن حنيناً غامض إلى قديم العبارات بقدر واضح من التناقض الفاضح وخداع الذات ! فالحيرة لا يمكن الركون إليها حين تقترن بالشك ، أليس كذلك ؟