>
جلس يكتبُ كلماتِه الأخيرة , قبل أن يلفُظ أنفاسه الأخيرة . . فكانت تلك الكلمات هي مقطوعة من واحد و عشرين حرفاً تقول :
أشعُر أننّي عارٍ ,
عارٍ كإنسان !
. . . , بعد هذه الحادثة بأيام وُجدت جُثته منزوعةَ الثّياب . . . يلفها الهواء و الأتربة و في يدهِ ورقة تحملُ تلك المقطوعة . .
نقلت جميع وسائل الإعلام خبر موتِه و خبر المقطوعة الأثرية التي وُجدت في قبضةِ يدِه , كل وسائل الإعلام مِن صحف , فضائيات , أرضيات و حتى إذاعات الراديو . . .
بعد ذلِك ببضعِ سنين , تمّ الاحتفال بيومِ مولده , ذلك اليوم الذي مات فيه , و تم إحياءُ أمسيّة قد حضرها العديد من الشعراء الكبار , منهم من تربطه الصداقة بالشاعرِ الميت , و منهم من تربطه الغرامة و منهم من تربطه العداوة ! , و همّ الجميع في رثائه و في الإشادة بأشعارهِ , و في التغنّي بصفاتِه , و أعلن في اليوم ذاتِه أحدُ النّاشرين الكبار على استعداده التّام لنشر كامل أشعار الشاعِر الميِّت . . . , كما سُميت دارُ نشرٍ باسمه , خُلاصة القول أنّ المجتمع بكامل مثقفيه و شعراءه و أدباءه و . . و . . و , قد احتفى بهذا الشاعِر احتفاءً يليق بشاعرٍ ميت !
و قد أقيمت ندوةٌ بعنوان “ في شعر الشاعر الميت “ , و قد ناقشت الندوة مقطوعة الشاعر التي وُجدت في قبضةِ يده . . . فقال أحد كبار المثقفين في المجتمع :
هُنا نرى الشّاعِر قد تجرّد مِن كل صفاتِه الحيوانية التي قد تنتابُه و التحف ثوب الإنسان و هو الثوب الخالي من صفات الشهوة و الجوع و العطش و الملذات , و هو كما قال الشّاعر ثوبُ العُريِ ! .
و قال أحد المتمرسين في مجال الأدب :-
نعم ! , أوافقُ صديقي المثقف في هذا التأويل كما أحب أن أضيف عليه هو بروز لفظة “ أشعر “, هذا ما يدعونا للتفكير عن أي شعور كان يتحدث شاعرنا الفطيحل , هل هُو شعور الحُب ؟ أم شعور الوحدة ؟ , أنا أقول أنّه كان يعاني من الوحدة الشديدة التي أدّت إلى ابتعادِه عن كل النّاس الذين يتهافتون وراء ملذات هذه الحياة , و هُنا نرى أنّ شاعرنا كان متصوفاً بذاتِه . . . قد اتخذ من العُزلةِ مسكناً و ملجأً !
هُنا انتفض أحد الجالسين قائلاً :-
هذا تحليل جيد أخي الأديب المتمرس , و لكن أخالفُك في الرأي , إذ أنّ شاعرنا و من كلامه واضحٌ عليه أنّه كان يعيشُ في حالة فقدان للحبيب , حالة قد أدّت به إلى أن يتجرّدُ مِن كل مشاعر الحياة إلا مشاعر الوجد و الشوق . . . هذا رأيي صراحةً !
و هكذا ذهب الجميع في تأويل المقطوعة طيلة ساعةٍ كاملة , و نسى الجميع أنّ الشاعر مات عارياً !