لماذا لم يحدث هذا؟، هل ينتهي كل شيء إلى عدم، لقد اتفقنا على الشراء، وعندما عملنا حسابنا أوشكنا على التصادم، لكنه قال في بساطة، لسوف نشتري الحجم الذي نريد، وصرخ ابني الصغير، بل نشتري الحجم الكبير، التقت عيناي بعينيه، خشيت أن يقول شيئاً، وكالعادة سوف يرفض، وقال ابني الأوسط، إن الأفضل اختيار الأكبر لأسباب عديدة متشعبة، وأما ابني الأول فقد صرح بعدم رغبته في شيء، لكنني أرغب في الكثير خصوصاً أن بناتي الثلاث اللائي انجبتهن في سنوات متتالية لن ينبسن بحرف واحد، ذلك أنه يحظر عليهن الكلام في مثل هذه المواضيع، إذ هن لسن أكثر من بنات، والبنات لا موقف ولا رأي ولا قرار يتوقع منهن!.
تطلعن في هدوء إلى الجالسين حولي، كما مانزال نشكل حلقة حول ما نلتهمه من حلويات مشكلة أعددتها قبل يومين، وتاه ذهني لحظات، لكني أبعدت الصورة التي تترى وقد شعرت بانها سوف تغرقني في دواماتها، والحياة أحسها نقيتة، بسبب ا يرن على نفوسنا من هذا الضيق الذي لا نقدر على التخلص منه بسرعة، والدافع إلى ذلك هو الرغبة التي تملأ أعماقه التي تشتبه حتى النخاع في أي شخص، وتشك في أي حركة نأتيها بل تأتيها الصغيرات بشكل خاص، إندفعت فجأة في اتجاه حديقة البيت التي هي ليست أكثر من منور صغير استغله كمنشر للملابس الداخلية، وجلست في الركن الذي تعودت الجلوس فيه لوحدي عندما أشعر بالحاجة للإنفراد، وامتلات نفسي بالغيظ الشديد وبالغضب، وتساءلت في حرارة:
– لماذا يحدث لنا هذا، مع أنه في امكانه ان يفعل الكثير، يتعامل معنا بمباشرة وصدق كما نتصرف تجاهه؟!
ارتبكت بيني وبين نفسي للفكرة، وانتابني رعب محدود، وخلتني أنغمس في مسار لا أعرفه، وقد ضاق السبيل أمامي، وتعمقت بل تجذرت الرغبة في الابتعاد عن كل شيء، وهتف قلبي في حرقة لا تحتمل: لماذا، لماذا، لماذا؟
نهضت من على الكرسي الصغير، وقد سمعت دق جرس الباب، وهالني ما أراه أمامي، وقف وقد نفرت عروق عنقه منبئة بما يعتمل في داخله من مشاعر نارية، لم أحول عيني عن عينيه، سكن لحظة، ثم قال في لهجة هجومية:
– ما بالك، لمذا تنظرين إلى بهذه الطريقة؟
لم أرد، بل ظل بصري معلقاً ببصره، وقال أخيراً وقد خفت لهجته الهجومية:
– عل أغضبك امر؟!
قلت في نبرات واضحة:
– بلى، بلى، بلى، هناك ما يغضبني، فلقد اشتبكت نفسي مع ما يحصل للجميع، وأجدني غير قادرة بهذا الشكل على الاستمرار معك بهذه الكيفية.
تراجع رأسه للخلف قليلاً، وهمس في صوت أشبه بالفحيح:
– متضايقة يا هانم!؟
قلت:
– بلى يا سيدي!، أم تظنني لا أستحق هذه المكافأة!!
اتقدت عيناه، لكنه يبدو آثر الصمت، وانتظر أن أنهي، لكنني لم أنبس، إذ قررت الانتصار على ذاتي باتخاذ الموقف السليم بنطق ما يجب وبلا إسهال، فالإسهال الكلامي لا يؤدي إلا إلى ربكة الشان وضيقنا جميعاً إلى الدرجة التي لن نتحصل فيها على شيء، وعندما طال صمتي، تساءل في دهش خفيف:
– لم تنع كلامك، أم أنك أنهيته؟!
هززت رأسي، واستمر صمتي، نهض واقفاً متطلعاً لحظات، ثم جلس وقد فتر غضبه دفعة واحدة، ونطق:
– ألهذه الدرجة لا تقدرين على مناقشتي يا سيدة؟، إنك تقللين من شاني وهذا غير جيد، وعندها لن تتحصلي على شيء.
قلت في حرار:
– المسألة ليست في أن تحصل على شيء أم لا، ولكنك بصراحة أثرت من الضجيج ما جعل الدنيل كلها تعرف بمسألة (الساتالايت)، ثم تأتي هكذا فجأة وتقرر في بساطة ألا تنهي العمل؟!
تردد لحظات، وبدا صمته البين واضحاً في تأثره، وقال:
– لكنني أخاف من أشياء كثيرة قد تحدث!
أجبته:
– كلنا نخاف، أنا أخاف، وأنت تخاف، والناس يخافون، الأولاد يخافون، والبنات تخفن، الكل لا يطمئن للجديد، ولكنها سنة الحياة قلق آباؤنا عند أول بث للتلفزيون، ثم اعتادوا الأمر، ثم قلقوا عندما بدأ (الفيديو) يغزو كل بيت، ثم صاروا يقلقون هذه الأييام على تعدد ما نراه وما نتفرج عليه، لكن القلق يجب ألا يقفل في وجوهنا الفرصة.
تساءل:
– والبنات؟
أجبت مدافعة عن فلذاتي:
– كأي بنات أخريات، صاحباتهن وقريباتهن والجميع الجميع يطلب التغير، وهذا يحدث في كل لحظة شئنا أم أبينا!
أغمض عينيه لحظات، وبقيت أنتظر لكنه تحرك أخيراً قائماً وقال:
– على أن تراقبي ما يتفرجن عليه!
هززت رأسي موافقة:
– وألا تتركيهن لوحدهن في أي ساعة متأخرة، بعد الساعة التاسعة، أم أقول لك لا تفرج بعد الساعة التاسعة.
هززت رأسي موافقة للمرة الثانية، واستطرد:
– عندما تخرجين تضعين المستقبل في غرفة نومنا وتغلقين بالمفتاح!
هززت رأسي موافقة، وقال جملة أخيرة:
– يفتحنه ساعتين فقط في اليوم!
وهززت رأسي موافقة.