رواية كونشيرتو قورينا ادواردو للكاتبة نجوى بن شتوان
تفتيش متعمد في الكون الفكري لنجوى بن شتوان
اللحن الجنائزي الأخير يرافق الارستقراطية الليبية نحو مدفنها التذكاري في عمق التاريخ..!
بالتأكيد يجب أولا ان نقر دائما انه هناك مسافة فاصلة بين السبرة الشخصية للكاتب واحداث حياته وبين ما يكتب؛ هذا المنطلق تحول منذ مدة الى مبدأ يصعب تجاهله؛ وانا بالذات مع هذه الرواية أرى انه بالتأكيد ثمة مسافة بين رواية نجوى هذه وبين حياتها؛ حياة الكاتبة نجوى؛ الفضول التقليدي لمعرفة الصلة بين حياة الكاتبة وبين روايتها غير مبرر هنا فالمسافة ظاهرة وليست بحاجة لبرهان حتى لكن.
ليس من المقبول ابدا القول انه لا صلة بين الرواية روايتنا هذه كونشيرتو وبين عالم أفكار نجوى بن شتوان بالتأكيد ثمة تعالق وامتداد تكشفه الكثير من الامارات المزروعة على امتداد جسد الرواية.!
كما انه بالتأكيد ثمة علاقات بين الكتاب نفسه والمجتمع يولد كل كلام بشري ضمن شروط انتاج تسبقه ويتكون بفضلها وعلى الرغم منها في ان..!
هذه الامارات / العلامات المعاد تأويلها هي ما سوف يكون على أي ناقد – اكرر أي ناقد – ان يعنى بدرسها وفهمها وبحث صلاتها معا ذلك انها ستقودنا الى دواخل العالم الفكري لنجوى؛ هذا هو فقط ما يشغلنا العالم الفكري للروائية نجوى بن شتوان في حدود هذه الرواية وفقط !!
والحقيقة اننا علينا ان نقيم حاجزا اوليا مفيدا عند الصفحة 189 من الرواية أي في تلك اللحظة التي نواجه فيها المرأة الناضجة ريم لأول مرة؛ اللحظة التي يتحول فيها كل ما مضى من حياة ريم الى تاريخ او على الأقل هكذا يفترض ان يحدث وان كان لا يحدث.
حقيقة.!
باستمرار القراءة سوف اكتشف تدريجيا ان هذه النقطة الفاصلة الهوة السوداء المفتوحة الفراغ الذي يدل على قرار ما اتخذته الكاتبة سوف يتكرر مرات وليس مرة واحدة بحيث يمكن اعتباره خصيصة فنية واسلوبية لنجوى بن شتوان تميز كتاباتها او لنفترض هذا حتى يتبين غيره !
ثمة ثغرات؛ فجوات تتخل جسد النص مثلا عند موت الجد؛ وعند الزواج في إيطاليا مثلا؛ عند العودة دون مبرر لبلد كانت هربت منه؛ موت البطلة دون اثر ؛ ولكن من هي ريم ومن هو جدها ولماذا ذهبت للزواج في إيطاليا ؟!!
تلك هي الرواية.!
اذا تمكنا فعلا من معرفة من هي ريم؛ ريم الحقيقية لا الظاهرة ريم المؤولة وليس المعطاة؛ نكون قد نجحنا على اقل تقدير في معرفة سر من اسرار هذه الرواية المتروسة أسرارا!!
ريم هي البطلة التي تحكي الرواية تجري اغلب احداث الرواية على لسانها ماعدا صفحتي المفتتح وفقط العشرين صفحة التي أتت في النهاية وكشفت كل غموض وتركت بضعة اسرار هي مفاتيح التأؤيل عندي وهذه ال23 صفحة على لسان التؤام التي لزمت الصمت طوال 287 صفحة هي لب الرواية وتطوعت بالحكي عند النهاية بينما بقيت صفحتي المفتتح تعاني غموضا يجعل تحديد هوية المتكلم فيها مستحيلا الا انه احدى الطفلتين التؤام فقط ؛ ولان نهاية ريم نفسها تتكفل تؤامها باستكمال الحكي تحديد المصائر وحكاية ماذا حصل لريم بعد ان عادت من إيطاليا الى ليبيا لتحكي لامها كيف ولماذا تزوجت الإيطالي ولكنها لا تحكي؛ سوف تحكي بدلا عنها شقيقتها التؤام.
بالنسبة لي هذا التحول مهم ودال ان يغادر مسرح الرواية الصوت الذي تعرفنا على الاحداث لحظة انطلاقتها عبر صوته وحكاياته مسالة في غاية الأهمية والخطورة في غاية الدلالة.