يا أَعزَّائِي المُتخصصين في النَّقد الأدبي، إن قُدرة الأدب الروسي على مخاطبة عقل القارئ، بشكل سَلِس وواضح كل الوضوح، ليس ميَّالا إلى التعقيد الرَّمزي، ولا إلى الاستعارات والتشبيهات الجمالية بشكل مُبالغ فيه – كما تنصحون أنتم كُـتَّابنا بأن يفعلوا ذلك – يُنبِّهنا إلى شيء مهم، ألا وهو النزول والتواضع لمستوى استيعاب القارئ، وفهم مضمُون الرِّسالة التي يرغب الأديب الروسي إيصالها إلى قارئه البسيط، مخاطبا وعيه، عقله، واقعه، مشاعره، خياله، حياته، كلٌّ في واحد؛ على غِرار أدبنا العربي الذي يحاول أن يصعد بثقله صعودا صاروخيا، لا يأبه لعضويته ولا يلتفت لها أصلا، ثم تستمرون أنتم النُّقاد بدفع الكُـتَّاب في خلق تقنيات أكـاديمية تميل إلى تعقيد العمل الإبداعي، إن هذا ما يخلق هوة شاسعة بين الكـاتب والقارئ البسيط، وكأنكم تقولون للكاتب العربي أن يخاطب قارئه البسيط بهذه العبارة: عليك أن تصعد إليّ، وأن تبذل كل ما بوسعك لتصل إلى ما أرنو إليه!
المشكلة يا نُقَّادنا الأعزاء، كنتم ولا زلتم السبب الرئيسي في الرَّفع من مستويات التقنيات السردية للكتَّاب، غير مبالين بتبعات الفجوة اللغوية التي خلقتموها، لقد عرجتم بالكُتَّـاب إلى السَّماء، بدل من أن تهبطُوا بهم على الأرض، فلا القارئ العربي يقرأ ما يخطه كُـتَّابنا، ولا الكاتب يفهم ما يريده القارئ، القارئ يحتاج لغة واضحة يفهمها، يحس بها يدرك خيط البداية والنهاية بلا تقعُّر وفصاحة وتشدق اصطلاحي؛ لا تنسوا يا معشر النُقّاد، أن اللغة العربية هي لغة الأرض، لغة الناس وإلى الناس، لا لغة السماء، حسبكم إن اعتقدتم أنها لغة السماء فهذه كارثة أخرى لا قدرة لي على إقناعكم بعكس ذلك. خاصة تلك الفئة الخرافية المثيرة للشفقة، تلك التي تعتقد بأن قواعد اللغة نزلت من السماء، ولم تأتي نتيجة تفاعل من لغات أخرى قديمة. فهؤلاء أشد جهلا وغرورا، وأكثرهم تعصبا منكم.