هل يمكن استرجاع الماضي؟ الجواب : لا باعتباره رجعيا وعندما نستذكر الماضي أنما نحرّفه على أي حقبة نتذكرها بحنين من أجل إسقاط رغباتنا على الماضي – نحن في الواقع نقوم بدفن تاريخ حاضرنا – الأشخاص الذين عاشوا فيه، وعلاقاتهم العاطفية حتى قطعة الحلوى التي نتخيّلها بين أسناننا.. سحب من الضباب المعطر فالحنين إلى الماضي يمكن أن يكون غير صحي، ومبتلا وممكن أن يكون حلوا كقطعة الحلوى تلك. وكما قال نيتشه عن الماضي يجب أن نأخذ أنفع ما يمكن دفعنا به إلى الأمام فأن الماضي يعتمد على افتراضات خاطئة حول التقدم والزمن. وهو ما يتقاطع مع فكرة نيتشه الأخيرة وإلا ما معنى الاستلاء على بضاعة موجودة هل هذا يدلل على عقم أفكارنا غير الموجودة؟ وفقا لبيكر أن مهاجمة الحنين إلى الماضي غالبا ما تكون طريقة سرية للدفاع عن النفس، وأنها بمثابة تهم سهلة توجهه لخصمك، وأنها في الغالب تبدو مضحكة كسلعٍ مستعملة، أو أحذية مخزّنة. من يودّ أن يعود بالزمن إلى الوراء؟ معنى ذلك أن التقدم بالزمن إلى اﻷمام ليس باﻷفضل، وهل يكون اﻷسوأ، ونحن نرجع به للماضي؟ يبدو ذلك متعصبا ومحيرا في نفس الوقت. المؤرخ يدفع بالحنين إلى الماضي كأسلوب مهني واقٍ لعمله وهي عملية تنزع عنه قناع النقد، وهو ما يستغله بعض القادة في خطبهم الشعبوية. مارغريت تاتشر مغرمة بقيم العصر الفكتوري في نفس الوقت تقف على جرّافة تهدّم مبنى اتصالات من الخمسينيات! وهي خدع يمكن التخلص منها متى شاءوا هؤلاء السياسيين!.. في الحروب والكوارث أشد ما نكون في حاجة إلى هذا النوع من الحنين إلى الأوطان وماض كنا فيه آمنين.. في الحرب العالمية الثانية تعصف باروربا موجةٍ من الحنين إلى الماضي رغبة في العودة إلى الجذور في عالم أصبح فيه الإيقاع متسارعا ومجنونا، ولكن بالمقابل يعتبر لدى بعض المفكرين الحنين إلى الماضي مرض من أمراض الحداثة، يصف أحد النقاد أن السبعينيات كانت أسوأ عقود أمريكا على اﻹطلاق ﻷنها كانت مليئة بالحنين إلى الماضي حيث أعيدت حقبة الخمسينيات إلى السبعينيات. لكن الهروب إلى أماكن أخرى عادة ما يوهمنا بسعادة ما عندما تسد الطرق أمامنا. في مسرحية ” نهاية اللعبة” لصمويل بيكيت حيث ناغ وزوجته يتسولان الطعام من صناديق القمامة تصرخ آهة نيل المتوجعة في ذلك الجحيم : يحيينا الحنين إلى الماضي ونحن في أمس الحاجة إليه مع حاضر لم يعد صالحا للسكن.. إنه الملاذ اﻷخير.
صحيفة الصباح