نص ملفت نشرته مؤخرا الشاعرة سعاد يونس.. التي مع قلة انتاجها تضع بصماتها واضحة على خريطة النص الأدبي الهادف الملتزم الذي يؤدي رسالة لا يمكن إغفالها. انها صورة هذا الوطن الجريح تتمثلها الشاعرة سعاد يونس.. ورقة في جيب جندي لا يحسن القراءة ومع ذلك يحتفظ بها.. تعويذة للحياة وسط دوي المدافع ودخان الموت.
يختزل اسم الوطن نقشا على قلادة.. أعتمها رماد القذائف ذلك الرمز _القلادة_ تلك الحلية الأقرب الى القلب والأكثر التصاقا بالجسد وبالإحساس.. تجمع كل ذلك الوحي لترتقي به إلى مستوى النداء.. تجسده أولا تعطيه روحاً وملمساً وكياناً وتناديه باسمه (الانتماء!!).
إن ذلك يحدث عندما تتشوش صورة الوطن وتضيع معالم الطريق وتتزعزع الثوابت ولا يبقى إلا الانتماء كنقطة تمثل مرجعية واحدة كلما اختلفت السبل وتضاربت الأهواء وفشلت ألاعيب السياسة (الأروقة الملونة!!) في تزييف الحقيقة، وما عادت محنة الوطن مقتصرة على الكادحين. عندما يسير الوطن بأبنائه إلى المجهول ويتمزق “عَلمَه” بين تجاذب الأهواء ذلك العلم ذو النجمة الخماسية الضائع بين “الأحمرين” لونه الأحمر ولون الدم الاحمر.. أما آن لهذه النجمة أن تضيء ليل هذا الوطن.. الذي بقى حتى بعد أن غادر الجنود أرض المعركة.. الذي بقى حتى بعد أن صمتت المدافع.. وخمد غبار المباني المنهارة وعادت الأرض تخضر رغم الدمار.. الذي بقى حتى بعد أن بردت لوعة المفقودين وخَفُت أنين الجرحى.. وأنت أيها العلم خماسي النجمة مازالت نجمتك غير قادرة على إضاءة هذا الليل العنيد..
والشاعرة نفسها لم تعد قصيدتها قادرة على وصف المزيد من الوجع.. ولا الاهتمام بمزيد من التفاصيل.. هكذا تمثلت الشاعرة سعاد يونس صورة هذا الوطن في قصيدتها العصية على التأويل المشبوبة بآلام المخاض العسير لوطن جريح.. أنت لن تقابل كثيراً مثل هذا النص.. فالنصوص التي تحمل بصدق همّ هذا الوطن تختفي في الزحام ولا يمكن رؤيتها بسهولة.
النص: ما وراء الوصول
الشاعرة: سعاد يونس
كجندي
لا يجيد القراءة
أُحملك
ورقةً بيضاء في ذاكرتي
واسماً
على قلادة معدنية أفقدها المدفع بريقها..
أيها الانتماء
ما عادت الأروقة الملونة
تجيد إخفاء الحقيقة
ولا عاد الأسود
يحاكي ليل الكادحين..
وذاك الخماسي
أما حان له أن يضيء
ليلك المحصور
بين الأحمرين.
أيها الوطن؟
وبقي الليل.
حتى الجنود غادروا
وسكتت المدافع
وبقي الليل.
حتى المباني المتألمة نسيت أوجاعها
ونما العشب من جديد في أطرافها
وبقي الليل.
حتى الحكايات القديمة عن المفقودين..
سكنت القلوب
وسكتت
وبقي الليل.
وذاك الخماسي
لم يُضيء
حتى أنا
ما عادت القصيدة تساومني على اوجاعها
ولا عادت روحها تحن للتفاصيل..