ذات مقابلة إذاعية طرح المذيع عليّ سؤالاً مفاده «أستاذة.. لو حذفنا جزءًا من حياتنا أو أخفيناه أو قلَلنا منه واختصرناه أو قمنا بحجبه.. فما هو هذا الجزء وجهة نظرك؟”
أجبته: كل شخص يرى هذا الجانب من وجهة نظره ويجيب وفق ما يراه، وليست هناك إجابة عامة على هذا السؤال فهناك من لديهم هاجس السن ويرعبهم مجيء الشيخوخة ويتمنون دوام الشباب وآخرون أحبوا العزلة فسهل عليهم التفريط في الجزء الاجتماعي لتكون حياتهم مجردة مدفوعين في رغبتهم بنيل قسط أكبر من الراحة والخلو من بعض المشاكل ونيل الحرية بعيداً عن أي قيود ترجعهم القهقري وهناك من يرى أن تكون الحياة كاملة ولا يقبل أن يُسقط جزءاً منها ولا يفضل أن تتجزأ وفق معطيات تكون مفروضة على الإنسان أحياناً.
وإجابتي هنا تصاغ وفق معتقدي وتجربتي الصغيرة إذ أتمنى أن يسقط من الحياة الجزء المتعلق بالمسؤولية سواءً أكانت اجتماعياً أو وظيفياً وغيرها على كل الأصعدة، فغالباً تشعرنا المسؤولية بالتقيد والبقاء تحت طائلتها حين لا نشعر بأهمية دورنا كمسؤولين وبقدر ما نقوم به من أعمال ومسؤوليات بقدر ما يتعاظم الإحساس بعدم الأهمية اتجاه أنفسنا.
وبالرغم من السعادة عندما نمنح الآخر خدمات يستحقها أو يظهر عطاؤنا في مواقع عدة إلا أن الجميع قد يضعك في هذه المنطقة ويعاملك وفقها ويطلق عليك أحكامه ولا يشعرك بأنك مهم كما تتخيل ! الحرية لا توفرها المسؤوليات وخاصة أننا في مجتمع تحكمه ضوابط مزعجة تؤثر حتى على المزاج العام أحيانا لا نستطيع الخروج من أحد الأدوار التي نقوم بها وننعم بالحرية التي نفتقدها ضمن هذه الدائرة، ولو حذفنا هذا الجزء من الحياة سنكون غير مضطرين أساساً لمجاراة البائس والنفعي والغامض والمحتال والخبيث والنذل ونكتفي بما نريد منحه للآخر الذي يقصدنا دون استخدامنا أو تحويلنا إلى آلة ناطقة أو إنسان بأزرار، المسؤولية تقتل الإبداع وتحول المعطاء إلى عامل أو « ماكينة « مبرمجة.. لم يعقب المذيع على إجابتي إلا بسؤال آخر « ماذا بعد؟».
قلت له.. لو استطعنا تجزئة الحياة وإلغاء ما يكَبلنا لكنا أحراراً أكثر أو بالأحرى أحراراً حقيقيين، ولو اعتمدنا على جوانبنا الإنسانية لكنا فزنا بأنفسنا ولا نبالي بخسارة الآخرين.
اكتفى المذيع بالنظر إليَ وهو يراقب حركات أصابعي التي أشبكها تارة وأرخيها أخرى مع اعتقاده بأنني أعيش حياة كاملة أما أنا فأنهيت حديثي معه بقولي أنا أعيش هذا الجزء فقط ولا أريده.