انتقل إلى رحمة الله السجين السياسي السابق والمناضل الكبير علي محمد أحمد كاجيجي مساء يوم الثلاثاء الموافق 26 نوفمبر 2024م بعد إصابته بجلطة منذ أيام قليلة مضت، نُقل على أثرها إلى المستشفى قسم العناية الفائقة بمصحة النفط بمدينة طرابلس، حيث فاضت روحه الطاهرة هناك.
ولد الفقيد بمدينة هون في العام 1949م، ودرس المرحلة الجامعية بمدينة طرابلس، وتخرج من كلية الهندسة – جامعة طرابلس.
قضى الراحل الكبير علي كاجيجي في السجن حوالي ثلاثين عاماً، ومن سنة 1973م إلى سنة 2002م. وقد تم اعتقاله – ظلماً وعدواناً – بعد خطاب معمر القذافي في مدينة زوارة في الخامس عشر من أبريل سنة 1973م، الخطاب سيء الصيت الذي أودع القذافي بموجبه مئات من خريجي الجامعات والأكاديميين والكتاب والمفكرين والمثقفين والنشطاء والإعلاميين في السجن، وأعلن فيه عن ما سماها «الثورة الثقافية»، معلناً الحرب على الدولة الكلاسيكية «ذات النمط الرجعي» على حد وصفه، ومؤذناً «بعصر الانعتاق والتحرر من كل القيود القانونية»، واضعاً ذلك في خمس نقاط، هي:
* تعطيل كافة القوانيين المعمول بها.
* القضاء على الحزبيين وأعداء الثورة.
* إعلان الثورة الثقافية.
* إعلان الثورة الإدارية والقضاء على البيروقراطية.
* إعلان الثورة الشعبية.
نعاه علي العكرمي أحد رفاقه المقربين، فقال: «فقدت ليبيا بفقدان المناضل علي كاجيجي واحداً من أبنائها البررة، ومناضلاً شريفاً من الطراز الرفيع. واجه الاستبداد وهو في كامل عنفوانه، وأمضى ثلاثين عاماً من عمره خلف القضبان في وقت قل فيه النصير وعز فيه الظهير.
وقد عُرف الفقيد بصلابته وعدم قبوله بأنصاف الحلول في القضايا المبدئية، وكان لا يخشى في الله لومة لائم، تشهد على ذلك دور المحاكم ومجالس التحقيق المرعبة».
ونعاه عدنان النجار ابن المناضل الدكتور عبدالمنعم قاسم النجار، أحد رفاق الفقيد في غياهب معتقل «سجن أبوسليم» سيئ الذكر، فقال: «كان عمي علي كاجيجي مثالاً للإنسان الذي لا يتوانى عن الدفاع عن مبادئه، حتى في أحلك الأوقات. كان صوته، رغم جدران السجن، يصدح بالحق ويشعل روح الأمل في قلوب رفاقه.
عانى من قسوة الظلم، ولكنه لم يرضخ، بل ظل متمسكاً بقيمه ومبادئه، ملهماً لرفاقه ولنا جميعاً..
اليوم، ونحن نستذكر تاريخه النضالي، نؤكد أننا لن ننسى تضحياته. لقد زرع في قلوبنا حب الوطن ورغبة في الحرية، وسنظل أوفياء لذكراه، نواصل السير على دربه في مقاومة الظلم من أجل مستقبل أفضل. ولن ننسى أبداً ما قدمه من تضحيات، وستبقى ذكراه حية في قلوبنا جميعاً».
أخيراً، رحل المناضل الكبير علي الكاجيجي المهندس والمثقف الحقيقى، المحب لدينه والصابر المحتسب، وترك خلفه سيرة عطرة ومواقف عظيمة تستحق أن تكتب بماء الذهب وتُسجل في سجل التاريخ.
رحل صاحب التجربة العريضة والمناضل الذي قاسى وعانى الأمرّين في سجون القذافي المظلمة القاسية، وضرب المثل الأعظم في الشجاعة والإباء والصمود، وترك وراءه تجربة نضالية جديرة بالتوثيق والنشر.. ورحلة حياتية مليئة بالدروس والعبر.
رحمه الله وغفر له وجعل الجنة داره ومأواه.
إنا لله وإنا إليه راجعون.