في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، ظروف معيشية صعبة عاشها الليبيون تمضي الحياة بصبر وعوز وألم، يمارس الناس حياتهم كيفما اتفق بحلوها ومرها.. ومن طقوس الحياة الأفراح والأتراح، صاحب المناسبة يستقبل الأهل والأحباب والأصحاب في رواق كبير يسمي ( خيمة ) خيمة فرح أو خيمة مأتم لمدة معينة طالت أو قصرت حسب ما يقتضيه الحال…
كان الحصول علي خيمة أمر شاق ومضن فليس هناك من محال أو شركات مختصة بتجهيز المناسبات تقدم خدماتها مقابل قيمة مالية معينة.
ولكن بعض الأشخاص – من ذوي الحظوة – لديه غطاء الخيمة أدرج علي تسميته بالعامية الليبية (القيطون ) وهو قماش سميك يستخدم في خيام الجيش..
ليس معروف تماما مصدر هذا القيطون أو كيفية الحصول عليه ولكن في الأغلب هو ميراث قديم من سنوات سابقة توارثته العائلة جيل عن جيل أو من بقايا ما استهلك في معسكرات الجيش تحصل عليه ممن لديه قريب أو صديق يعمل بالجيش كغنيمة أو هدية قيمة..
عموما… في قرية…… كل من لديه مناسبة يستعير (قيطون بن عثمان) نسبة إلي مالكه السيد/ عثمان.
فكان السيد عثمان له فضل كبير علي كل أهل قريته، جميع المناسبات طالت أو قصرت لا تكتمل إلا بوجود هذا القيطون الذي يغطي مساحة لا بأس بها، مؤمنا الحماية من أشعة الشمس في الصيف ومن الأمطار والصقيع في الشتاء…
شاءت الظروف أن تحتفل عائلة الحاج صالح – إمام الجامع وشيخ فاضل متعلم من مشايخ القرية – بعقد زفاف ابنها.. وحتي يتم تحديد موعد الزفاف لابد من استشارة الحاج عثمان وحجز موعد مسبق يتناسب ويتوافق مع فراغ وجاهزية القيطون.. فليس من السهل الحصول علي هذا القيطون النفيس فهو يتنقل من بيت إلي بيت ومن دار إلي دار ومن فرح إلي حزن يصول ويجول في أنحاء القرية ليكون جزء من حياة الناس مشاركا لهم أفراحهم وأحزانهم.
في يوم العرس المنشود تدافع الكل لتقديم يد العون والمساعدة، بدأوا بالتجهيزات اللازمة ومنها نصب خيمة الفرح،
جيء بقيطون بن عثمان محملا في سيارة نقل مهترئة.. كان ملفوفا عدة لفات ثقيل الوزن ذو حجم كبير غطي كل صندوق السيارة وزاد قليلا، تعاون علي حمله مجموعة من الشباب لإنزاله ببطء وحرص شديدين.
وضع علي الأرض و تم بسطه بالكامل ( ليتم بعد ذلك حمله علي عوارض حديدية وشده بحبال محكمة ليكون خيمة الفرح المعقود )
هنا وقف الشيخ صالح علي القيطون متأملا حاله ومآله.. لم يحدد لونه بدقة فقد لفحته الشمس بشدة وأتت عليه السنون تهالك نسيجه المتين ليصنع فجوات هنا وهناك لا تخلو مساحة منه إلا وقد خيطت أو وضع عليه رقاع ، يتطاير منه الغبار ويلتصق به القش والتراب وبعض من الحشرات الميتة وروث الحيوانات، تصدر عنه رائحة كريهة قد أزكمت الأنوف ربما كان مخزنا في حضيرة الأغنام والأبقار أو ربما أثرت به الرطوبة التي تركتها كمية الأمطار الغزيرة التي نالت منه.
بدا الشيخ صالح يخطو خطوات متوالية يطوف حول القيطون لعله يجد شيئا ما يسره وقف يتأمل طويلا، جال ببصره يمنة وميسرة شمالا وجنوبا ضرب كفا بكف ثم قال: –
هذا قيطون بن عثمان اللي شاغل الناس كلها.. وما يصير عرس وإلا عزاء إلا بيه.. يا والله حالة وخلاص… ((أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه))