طيوب النص

محمَلة به

من أعمال التشكيلية مرام بشير حمودة
من أعمال التشكيلية مرام بشير حمودة

سكتت كل الأشياء حولي وبقيت صورته معلقة على جدار الليل، احتضنتها في نعاسي وأمنياتي ليوم كهذا، اشتقت معه لذكريات تاهت ولحظات سرقها العمر مني ولم يسعفني الوقت للقبض عليها في عتمة تلك الليالي مروراً بجبال أغادير ومحطة مكناس وصباحات درب السلطان في مدينة دار البيضاء وأسوار قلعة فاس وإطلالة طنجة، حيث تصارعت أقدام العرب الفاتحين للأندلس، وصخب أمسيات ساحة الفناء ومنارات مراكش الحمراء.

وخزات انتابت قلبي عندما تذكرت قاعات الشاي ونسائم المكان كأني استحضرها لتؤلمني ونافذتي الطويلة بأحد أحياء شارع محمد الخامس وصديقتي التي رافقتني هناك وهي تدلني على مخابئ البهجة و”حوانيت البصارة والمسمًن والتاي بالنعناع “.

كان لون البحر غالباً على كل الألوان، مزيج بين الفضي والأزرق القاتم، الطريق يرقص على سفحه الأضواء، كان كلامه موغلاً في توهج من صخب حالته التي أراها لأول مرة، وفي عقلي تسبح الصور ولا يراها، وعناوين رسمتها وأنا أمسك يدى التي أحبها، أيقنت أن لا عناوين لي دونه وكانت الكلمات تنقصني حتى وجدت بعضاً منها بين تفاصيل الشارع الخلفي لمسارنا المعتاد المحفوفة بأشجار “السرول ” وهي في حالة عناق، وهمس القلوب المارقة وبعثرة القصص السجينة خلف أسوار البيوت الصغيرة .. رحل منها من رحل واكتمل نصفها كالقمر .

همت بنا الساعات الأخيرة لفض رفقة بضحكاتها الساخنة وهي تلتهم الوقت الإضافي منا، دون أن نشعر، الغريب هو كيف تتحول أمكنة عادية بأصحابها إلى وطن للحب وتكون لا معنى لها عندما يغيب من نحب، وكأنها صيغت بحكايات الناس ! فكانت عربة القطار الترفيهي شاهداً على حضور حالات الجالسين فيها .. ليس عبوراً بهم فقط، بل يلتقطون لحظة أخرى بمدينة زارها مثلي …يا ترى هل نتشابه في إحساسنا بالأشياء التي حولنا وهي تعزف معنا قطعة موسيقية غير مكتوبة !.

تمنيت أن لا ينتهي ذلك المساء، ويقف الزمن مع أغنياته ودفء أصابعه ولمعة عينيه، غادرت أماكننا وجزء مني بقي معه، وعدت محملة به.

مقالات ذات علاقة

الأبدية الرثّة

عبدالسلام سنان

إلى هناك لنعيش معا

المشرف العام

3 كتب على طاولة الجمعية الليبية للآداب والفنون

المشرف العام

اترك تعليق