قراءات

قراءة في المجموعة الشعرية (بمنعطف من شارع دي وولف) للشاعرة ليلى النيهوم

ديوان بمنعطف من شارع DEWOLF للشاعرة ليلى النيهوم
ديوان بمنعطف من شارع DEWOLF للشاعرة ليلى النيهوم

يستحوذ المكان على أرسان اللحظة الشعرية فتنطلق حاملة وهج حاضر حاضرا بكل ابوابه ونوافذه، بكل اثقال حنينه وانينه وماض لم يمض في سبيله عبر أبواب النسيان، بل ظل يحاصر الان بأزهاره الذابلة واشواكه الناتئة مخترقا كل مسارب الحواس باتجاه منعطف يتأرجح بين ثنائيات، بعضها من لحم ودم وبعضها من ظلال وشرود المعني، ولكنها تقع كلها في “دوائر تتبارى نحو الضفاف”.

الماضي والحاضر
الجسد والروح
بنغازي وكاليفورنيا 
العربية والإنكليزية
السؤال والجواب
الافعى والطائر
الواقع والخيال
الموت والحياة
الصوت والصدى

تدنو الشاعرة ليلى النيهوم بليل (كموج البحر) من ” تخوم متلاصقة للبكاء والغناء” ” لا حد فيها بين الضحك والجد”، نشعر بامتلائها وعمقها وهي تجر بئرها الخاص الى لحظة العام في بوح فصيح يكون بمقدوره ان يتفاصل بين السنة اللهب وانتاف الثلج. “سأفصح قليلا ورويدا”.

وفي البوح يرهف السمع والكلمات تتساقط على “بتلات زهر الخوخ” وتنبعث من رهافته وجع لم يفلح الوقت في مضغه وابتلاعه مع مسكنات الألم فظل شاهرا عنفه كما يفعل “تخبط سمكة على رمل المحيط الهادئ” نسمع هسيس فقدها ومساقط مدامعها واعالي اوجاعها ومع هذا نحيل سؤالها الى الغيب الذي غيب خالد وخالدين كثر في وطن زج بنفسه في اتون حسرة مريرة على نجمات بعيدة وقمم شاهقة لم نصرعها بعد. “وتلك الحسرة كيف أهشها من ايامي؟”

ولكن الشاعر لا تستفرد به ضفة ولا يستسيغ ركوب موجة واحدة فيدنو من مباهج العين الثالثة وحوار اللون والشكل ودهشة المكان في ثنائية الغربة والانس ” محاطة بكل ما تفرش وتعرش من نبات ” تلوذ بالمكان الان من هجير رصيف الامس تبحث عن ومضات ذاكرة يشوبها جمال الورد في حديقة منسية ” “اتكهن ان القعمول درج سري حين افتحه أجد رسالة من اخي”

هذه الصورة البلاغية الساحرة النادرة يتطلب خلقها “رعدة تذرع روح شاعرة”. تمشي على الماء بأوجاعها وتعزف على الريح بأناملها”.

تندس الشاعرة في حروف تقيها ” العتمة الدكناء” وتنجيها من “وابل الغوغاء” وهناك في الدفء المشوب بالجزع تلتقي برؤوس كلماتها المقطوعة فتبحث عن اوصالها وتمامها وكمالها تريد بها ان تجري نحو سلم يسع نجاة الجميع من براثن ” الزمن الاغبر” في امتداد سطوة القلق على “انعكاس الحديقة على البيانو” على حُبيبات من افراح صغيرة متناثرة بين الوجه والقناع وما بينهما من ركح

” الستارة البنفسجية تشرع
 يخيم الصمت
طيور على رؤوس ذات الناب والتأليب الخفي “

” على قنوط
مغدوريها ومفقوديها”

تقول ليلي: “هذه القصائد المبعثرة التاريخ قد تعلوها ربكة”

ولكن بلا هذه الربكة يا ليلى كيف تنبري السذاجة للأسئلة الفادحة في ” قنص القصيدة” فتقودها راكعة على نثارها واوثارها من البارحة ” اقصد قبل عامين من اليوم… الى “هذا الصباح في الحديقة.. اقصد ايضا قبل عامين من صبحنا هذا”

بلغة تستطيع ان تحتضن وجع بحجم عيون الوطن بأدق تفاصيله تفاصيل الوجع في قصة غدر وفقد، وبلغة حاضرة دست انفها بين اصابعنا سطرت ليلى النيهوم في صفوف مبعثرة بين مدينتين ولغتين وقلب وعين بالحبر والزوم ما جرى ويجري بمنعطف من شارع دي وولف.

وانا ممتنة لكونها فعلت ذلك تحت طغيان المحبة…      

بين بنغازي وطرابلس
في 5 نوفمبر و10 ديسمبر/2024

مقالات ذات علاقة

قراءة في «أسطورة البحر»: لا سكاكين في طرابلس

المشرف العام

محمد علي الدنقلي.. حداثة المحكية الليبية

المشرف العام

الكوني… رائد أدب الصحراء

ناصر سالم المقرحي

اترك تعليق