الفصل الخامس عشر
ويكيبيديا..البدايات والنهايات، أو سيرة جمعة مسكين
… أكمل الشاب عبدالله عمله في تنقية الأشجار، وعمل أحواض السقاية لها، وأتي على كل الهكتار المحيط بالمنزل وذلك في زمن قياسي، وكانت السنيورة ( ماريا ) تراقبه خلال عمله.. كانت تراقبه وهو لا يشعر بوجودها لتمتعه بأخلاق حميدة، وكانت هي تتابع كل حركاته وسكناته بفضول بالغ مشرئب بأعجاب شديد نحوه، وفي أثناء ذلك قدمت له كعكة كبيرة الحجم كانت قد صنعتها بمهارة قبل ذلك، وبعد أن التهم هو الكعكة ذهب إلى حجرته الكائنة بالركن الجنوبي من حرم البيت، وأتكأ على السرير الخشبي، وقد شعر بأن التعب قد أخذ منه مأخذا، فأستسلم للنوم.
رجع السنيور غابرييل دي لوكا بعد أن أوصل سي بن صالح إلى دكان خموس اليهودي بالقرب من حانة أيلينا، فسلم عليه، ثم دلف إلى الحانة ليتجرع كؤوس العصير المسكر، وحيا السنيورة أيلينا التي بادرت لسؤاله عن الشاب عبدالله، فأجابه بأن الأمور قد سارت على أفضل ما يرام، وأن الشاب عبدالله قد باشر العمل فورا، وأن السنيورة ماريا قد نال أعجابها بشكل كبير، وأضاف بأن السنيورة دي لوكا هو رجل مستقيم، وأنه ذو ميول إنسانية بعيد كل البعد عن العنصرية، وأنه لاحظ ذلك بشكل جلي خلال مرافقته له في الساعات الماضية، وأنه قد كسب في هذا اليوم صديقا جديدا.
كان السنيور دي لوكا مطلعا على كافة عقائد المسيحية، واليهودية، والإسلام، وكذلك عقائد ومعتقدات البوذية، الزرادشتية، وكافة المعتقدات الموجودة في ذلك الوقت، وذلك من خلال انكبابه الدائم على القراءة هوايته الأولى والأخيرة، والشاغل الدائم له لذلك.. فانه لم يكن يقتصر على تعاليم الكنيسة المسيحية، بل كان يؤمن بالمسيح على أنه نبي ورسول وليس اله، فهو لم يجد في الإنجيل أية آية تشير بأن عيسى قال في يوم ما..(أنا اله.. أو ابن الله )، ولذلك فقد كان لا يأكل لحم الخنزير _ الذي حرمه المسيح عيسى _ كما يفعل باقي اتباع العقيدة المسيحية، وكذلك.. فقد كان لا يكثر من الشراب الموصل إلى درجة السكر والفقدان كما يحدث لغيره، وقد نوصل إلى حقيقة علمية هامة بأن طريقة اتباع العقيدة المحمدية في عملية ذبح الحيوان هي الطريقة الأصح لأنهم يقطعون اوداج الحيوان، فيستنزف الدم الذي أثبت العلم بأنه ضارا جدا، ولذلك.. فهو يحبذ السمك على لحم الحيوان الذي لم يستنزف دمه، أو كما يطلق عليه ( اللحم المنقور )..ولذلك.. فانه بعد أن رجع إلى المزرعة دفع بديك عربي من أحد الديكة التي اشتراها قبل يومين من سوق الكاوش، الى الشاب عبدالله، وطلب من زوجته السنيورة ماريا أحضار السكين، وطلب من عبدالله أن يقوم بذبح الديك، حسب طريقة اتباع العقيدة المحمدية، وطلب من زوجته أن تقوم بوضعه في مدفئة الحطب التي تقع داخل المنزل، واطلع هو على ما قام به عبدالله من عمل، وهو العمل الذي نال أعجابه بشكل كبير.
استوى الديك بفضل نار المدفئة الموجودة بصحن المنزل، وجلس السنيور دي لوكا، والشاب عبدالله في فناء المنزل، وقد بدأ عليهما الارتياح، وأحضرت السنيورة ماريا صحونا تحتوي على الديك المشوي، وقدمت لزوجها صحنا.. ساخنا، وكذلك لعبدالله، وقربت صحنا ثالثا لها..
كانت هذه المعاملة من قبل السنيورة دي لوكه، والسنيورة ماريا زوجته أثرا كبيرة على نفسية الشاب عبدالله، وخففت من مرضه المزمن الذي تمثل في الجوع التاريخي الذي ورثه عن أجداده، وحتى آخر حياته كان دئما يسرد الواقعة لأبنه جمعة المسكين، وقد شعر منذ تلك الواقعة بقيمته، وتخلص من مركب النقص والدونية وهو أمام كائن أنساني الشعور، وأنه يمكن للإنسان الذي يمتلك المعرفة أن يكون فوق العنصرية، والدونية، والشعور الزائف بالعظمة والمجد…الوهمي.