قصة

من القرية الى المدينة (1)

رمضان كرنفوده

من أعمال المصور الفوتوغرافي طه الجواشي
من أعمال المصور الفوتوغرافي طه الجواشي

صالح شاب يعيش في إحدى قرى فزان النائية بفترة ستينيات القرن الماضي كان يذهب إلى المدرسة الواقعة خارج حدود قريته كل صباح مشياً على الأقدام رفقة عدد من الشباب ويعود ظهراً ليتناول سريعاً وجبته في إناء من طين.. الطعام الذي سبق طهوه في إناء من طين أيضا، لينطلق سريعاً إلى المزرعة لمساعدة والده في السقاية وغرس الشجيرات والاهتمام بها ، في عمل شاق ومضني .

فالمزرعة في تلك الفترة ليست من أجل بيع المحصول بل من أجل أن تجد العائلة ما تأكله من طعام.. يعود صالح مع أبيه إلى البيت عند المغرب مشياً على الأقدام في مسافة تقدر بثلاثة كليومترات منهكاً من التعب والإرهاق، لتوقد النار في زاوية من حجرتهم الطينية تسمى الطابونة، يلتف حولها أفراد الأسرة للتدفئة وانتظار وجبة العشاء، يوضع بقرب النار إناء به تمر جاف لتسخينه وليؤكل بعد العشاء كما جرت العادة في بعض قرى فزان.. لينام صالح الطالب والفلاح تاركاً واجباته الدراسية دون مراجعة من شدة التعب، تضع الأم بعض الحطب من أجل إنارة الغرفة حاثة ابنها على المذاكرة وكتابة الواجب ومراجعة الدروس ولكن صالح يغرق في نوم عميق.

ليستيقظ فى الصباح الباكر متناولا ما بقي من وجبة العشاء وهذا هو الإفطار متجهاً لمدرسته مسرعاً حتى لا يتأخر على الطابور الصباحي. يدخل الفصل ويجلس على المقعد ويضع الكتاب والكراسة على الطاولة ويلاحظ ذلك المعلم الذي هو من منطقة الساحل شدة التعب على التلاميذ إلا أبناء المتصرف أو مدير ناحية المنطقة أو ابن صاحب الدكان سرعان ما يتجول المعلم بين الطلبة في الفصل متسائلاً:

– هل قمتم بحل الواجب؟ وهل حفظتم أبيات الشعر؟ وهل أنتم مستعدون للإجابة على الدرس؟

يرفع عدد من الطلبة لا يتجاوز أربعة أياديهم ويهزون رؤوسهم بحركة تشير إلى نعم، وباقي الطلبة لا إجابة ولا رفع أيادٍ ولا هزة رأس ومن بينهم صالح. وصوت عالٍ وفي وسط الفصل يتساءل المعلم بصوته الجهوري: لماذا لم تقم بكتابة الواجب ومراجعة الدروس يا صالح؟

مرتجفاً كورقة زهرة ذابلة يقف صالح والخجل والارتباك يعلو محياه مجيباً:

– يا أستاذ أنا أذهب مع أبي إلى المزرعة بعد الظهر!

وسرد له قصة تعبه وكده تلك! قصة يعلم أستاذه جل تفاصيلها بحكم معيشته في القرية فترة كافية لمعرفة كل تلك التفاصيل وما تعانيه الأسر والعائلات من قسوة الحياة وضنك المعيشة..

مقالات ذات علاقة

أقاصيص.. أقاصيص!

محمد زيدان

ارتياب…

أحمد يوسف عقيلة

نبوءة أم

المشرف العام

اترك تعليق