حكايات وذكريات: سيرة قلم 39
قلت في نهاية الجزء السابق.. بأن حكايتي مع الدكتور خشيم يرحمه الله.. انتهت على الصعيد الدراسي.. واستمرت بعد ذلك على الصعيد الثقافي.. فثمة شيء آخر يستحق التسجيل هنا.. وهو موافقته على التقرير الذي قدم له عن كتابي “مقالب أبي الحصين” الذي تقدمت به للدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان بغية نشره.. فأحالوه بدورهم إلى رابطة الأدباء والكتاب.. فنظروا إليه بعيون المخبرين لا بعيون الأدباء.. وحكموا عليه بالسجن المؤبد بعيدا عن المطابع وعيون القراء.
قرأوه هناك بعيون الساسة.. ولم يقرأوه بعيون الأدباء.. فحكموا عليه من مضمونه الرمزي وعنوانه المخيف: “مقالب أبي الحصين”.. وأبو الحصين كما تعرفون كنية للثعلب.. الذي يبدو أنه ذكرهم بمقالب زعيمهم الأوحد فلم يعجبهم ذلك – أو ربما أخافهم – فكتبوا عنه تقريرا هزيلا وضعيفا.. لكنه وفي ذات الوقت كان بمثابة شهادة براءة لي من ذلك النظام ورموزه.
لم يكن الدكتور خشيم – بطيعة الحال – كاتب ذلك التقرير.. لكنه وبصفته الأمين العام لرابطة الأدباء والكتاب في ذلك الوقت.. كان قد وقع رسالة الإرفاق الممهورة بعبارة (غير صالح للنشر) وبخط واضح جدا.. وأحالوها والتقرير والكتاب معا إلى فرع دار النشر ببنغازي.. وفي الحال نفذ قرار الرابطة.. التي كانت أمينة جدا على أمن وسلامة النظام.. كما يدعون.
حزنت وغضبت دون شك لذلك التقرير.. حزنت لواقع الحال الذي تحولت فيه أسرة رابطة الأدباء والكتاب.. إلى مجرد بيادق تحركها رغبة وإرادة أجهزة النظام.. فكان أن سحبت الكتاب ونفضت يدي من رابطة الأدباء والكتاب.. ومن صحف النظام التي كانت تمتنع عن نشر نصوصه إلا فيما ندر.. وتوجهت لنشرها بأفضل مواقع القصة القصيرة على مستوى الوطن العربي.. فراسلت موقع القصة العربية السعودي.. وبعثت إليهم بقصص الكتاب الواحدة تلو الأخرى فلاقت استحسانا ورواجا كبيرين.
وتناولها العديد من الأدباء والكتاب والنقاد بتعليقاتهم.. فمنهم من كتب عنها دراسات مطولة.. كالأديب والناقد المصري الكبير/ سمير الفيل… الذي كتبت عنها دراسة تحت عنوان : (حيوانات العريبي : عوالم تجمع بين قوة المنطق وسحر المخيلة).. ونشرها بالعديد من المواقع العربية.
والأديب السعودي محمد البشير.. الذي كتب عنها دراسة تحت عنوان : (محاولة لتكسير الجوز).. والأديبة السورية لبابة أبو صالح التي كتبت عنها دراسة بعنوان : (مرحبا بهذا التقشير).. والدكتور العراقي: محمد فلحي.. الذي كتب عنها مقالة بعنوان : (هذه الحكايات).. وغيرهم.. وغيرهم من مختلف بلاد العرب.. ومن بلادنا أيضا.
الأمر الذي شجعني على طباعة هذا الكتاب ــ بعد تغيير عنوانه ــ أربع طبعات متتالية.. بعنوان : (مجرد حلم وحكايات أخرى) في طبعته الأولى.. و (مملكة الحيوان : كتابة معاصرة لقصص الحيوان).. في طبعاته الثلاث الأخرى.
رسالتي إلى الأمين العام
لرابطة الأدباء والكتاب
غضبت وحزنت كما قلت لكم.. من ذلك التقرير الذي سيس كتابي الأثير على نفسي.. بعدما تفحصوه بعيون الجواسيس والعملاء.. ولم يطالعوه بعيون المفكرين والأدباء.. فكتبت في غمرة ذلك الغضب الذي انتابني الرسالة التالية.. التي بعثت بها إلى الأمين العام لرابطة الأدباء والكتاب.. وصورة منها إلى السيد/ مدير إدارة النشر بالدار الجماهيرية للنشر:
ـــ الأخ/ الأمين العام لرابطة الأدباء والكتاب.
تحية طيبة وبعد،،،
فقد تلقيت ببالغ الأسف نتيجة تقييمكم غير المنصف لكتابي: “مقالب أبي الحصين وقصص أخرى/ كتابة معاصرة لقصص الحيوان” مشفوعا بقراءة هزيلة جدا، وغير نزيهة لكاتب من كتابكم، فضل عدم ذكر اسمه لسبب معروف.
وقد كان عزائي الوحيد الذي أدخل السرور إلى نفسي هو أنني لم أكن أول من يتعرض لمثل هذا الهجوم السافر وغير المبرر.. ألم يهاجم الأديب الصادق النيهوم من قبل.. ألم يقل عنه أحدكم ذات يوم ودون أن نصدقه: بأنه يكتب بحافر حمار.
ماذا أريد أن أقول لكم.. فقط ولكي لا يطول الحديث معكم.. إذا كان “صاحبكم” هذا قد اختصر أدب النيهوم في “حافر حمار” فلأنه ولسبب بسيط كان كغيره من صغار الكتبة.. يقرأ بعيني حمار.. أعني أنه لم يكن يعرف لغة الأدب ولا يدرك أبعاده الرمزية، وكيف له ذلك وطبيعته الحمارية التي أوحت له بما كتب.. لا ترى أبعد من “حافره” الذي استعان به في هجومه على النيهوم.
فإلى أن ترتقوا بأدبنا إلى مدارج أسمى من “برذعة” النقد التي تركبونها وأنتم تطاردون الأدباء وتطردون المبدعين من ساحة الأدب.. إلى أن تفعلوا ذلك دعوني أقول لكم: إننا نستطيع أن نتخلى عن الرابطة.. لكننا لا نستطيع أن نتخلى عن أدبائنا الكبار.. ألا ترون معي إنه من الأجدى أن يكون لنا “أدباء بلا رابطة” بدلا من رابطة “بلا أدباء”.
نعم الأفضل لنا أن يكون لدينا أدباء كبار.. لم يكونوا بحاجة إلى جواز مرور من الرابطة من أمثال: “النيهوم والشلطامي والفاخري والكوني وغيرهم”.. بدلا من أن تكون لنا رابطة وليس ثمة أدب ولا أدباء.
فهل هناك فائدة ترتجى من “رابطة” لا تعترف بالأديب إلا مرغمة مكرهة.
أعني إلا إذا فرض نفسه عليها.. بعدما تطاول بقامته الأدبية وتطلع إليه الناس وأحبوه واعترفوا به دون أن ينتظروا الأذن من الرابطة.. تماما كما حدث مع النيهوم الذي كان في اعتقادهم “يكتب بحافر حمار”.. نعم مع النيهوم بالذات الذي مات ولم يعترف بالرابطة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سعيد العريبي/ بنغازي 2000