ترقبت مع المترقبين نتائج مسابقة جائزة نوبل للآداب لهذا العام، وكم سخرت من توقعات الدوائر الثقافية التي جعلت سلمان رشدي على سلم توقعاتها بالإضافة إلى أدونيس الحاضر دوماً في توقعات العرب كل عام. سخرت من هذه التوقعات لأنني أعرف أنه لا أحد سيكون من الفائزين، ليس لأن هؤلاء الأدباء لا يستحقون الفوز، بل لأن تاريخ الجائزة لا يؤشر إلى مثل هذه التوقعات.
توقعات هؤلاء تذكرتني بتوقّعات معلمي اللغة العربية لموضوعات الإنشاء التي قد يطلب من الطلاب الكتابة في واحد منها في امتحان الثانوية العامة، وخاصة تلك الموضوعات التي كان يربط فيها المعلمون مع الأحداث الجارية أو الساخنة، وكم تكون خيبة أمل الطلاب من تلك النتائج التي وجدوها بعيدة عن المطلوب منه الإجابة عنه في ورقة الاختبار. الشيء نفسه يفعله المهمومون بنوبل وجائزتها للآداب فأدخلوا سلمان الرشدي في الرهان على نوبل لمجرد أنه تعرض للاغتيال، علما أن دمه مهدور من أكثر من ثلاثين عاماً.
عدا أن العرب لم يتوقعوا إلا الفائزين بالأدب، أما الفروع الأخرى فنحن فيها خارج السياق. كأنه لم يبق لنا ما يربطنا بالعالم إلا الشعر والرواية والقضية الفلسطينية، هذه مشكلة أخرى تستحق أن يتوقف عندها نظام التفاهة العربي، ويحلل أسبابها. إننا كأمة نعاني من الهوان والضعة، وصرنا نتقن فن الكدية ورضينا بالعيش على ذيل الهامش في عالم يزداد تغولا ووحشية.
سخرت من توقعات الأدباء وتمنياتهم، والصحف وتقاريرها، لأنّ لجنة تحكيم جائزة نوبل لا تفكر على النحو الذي يفكر به هؤلاء البائسون من العرب، جاء بوب ديلان، فأصيبوا بدوار الصدمة الكبيرة؛ إذ كيف لمؤلف أغانٍ وموسيقي شعبي أن يفوز بنوبل للأدب، ثم تورطوا أكثر عندما فازت الشاعرة لويز جلوك، ثم عبد الرزاق قرنح، وأخيرا الفرنسية آني إرنو.
في الواقع لم تكن الصدمة كبيرة هذه المرة على الرغم من أن البعض تحسّر على أدونيس، وعلى أسماء عالمية كبيرة لم تحظ بنوبل، وفي اعتقادي أن الجمهور الثقافي المنشغل بأسماء نوبل أخذ يستوعب درس نوبل، وأهم درس هو أنه ينبغي ألا تتفاجؤوا من النتائج. فلهذه اللجنة اعتباراتها الخاصة.
لقد عزز فوز آني إرنو بالجائزة من حضور النساء في قائمة الفائزين بها، لتصبح الأديبة السابعة عشرة التي تفوز بجائزة نوبل منذ عام 1901. لقد انتبهت بعض التقارير إلى هذا الحضور النسائي في الجائزة، لقد انتبهتُ سابقا في كتابي “بلاغة الصنعة الشعرية” إلى نسبة الفائزات بالجوائز العربية (البوكر، وكتارا) وجائزة نوبل، وجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية السنوية، وكانت لا تشكل المرأة الكاتبة إلا نسبة ضئيلة، ها هي نوبل هذا العام تؤكد حضور المرأة في سياق الإبداع العالمي. إن لهذا جماليته الخاصة المنبثق عن وعي جندري مهمّ بضرورة الالتفات إلى الأديبات، ومشاكلهنّ والقضايا التي يفكرن بها، وأسلوبهنّ في عرض الأفكار، كل ذلك وجدته في التقارير الخاصة بآني إرنو. كما أن هذه النتيجة أزاحت من النقاش العام الشعبوي نظرية “تسييس” الجائزة وانحيازها لدولة الاحتلال الصهيوني، فآني إرنو من المدافعات عن حقوق الشعب الفلسطيني، ومؤيدة لحركة مقاطعة الاحتلال (B.D.S)، وسبق لها أن وقعت على عريضة في عام 2019، ضد إقامة احتفال (اليوروفيجن) في مدينة (تل أبيب)، ودعت لمقاطعة حفلة في باريس لفرقة رقص (إسرائيلية)، وليس هذا وحسب بل إنها لا تمثل في أفكارها ثيمات الأدب الأوروبي التي أنتجتها الرأسمالية، فهي يسارية معارضة لليمين المتطرف في فرنسا و