1
… رجب أتَمَّ هذا الخريف عامه الأربعين..
ذهب إلى الجَغْبُوب.. عاد بنصف دِين.. وأراد أن يُكمِل النصف الثاني بالزواج.. واضعاً نُصب عينيه النظرية القائلة (البيت رواق.. والمرأة ساق).. كلما مرَّ ببعض النساء نظر إليهن من الأسفل ـ على استحياء ـ ليسبُر غور السيقان!
2
… أم السعد أتمَّت هذا الخريف عامها الأربعين.. لم تذهب إلى الجَغْبُوب.. ولا إلى أي مكان آخر.. لم تتجاوز عَتبة الباب.. لذلك فهي لا تملك نصف دِين! لكنَّ هذه المسألة لا تشغل بالها على الإطلاق.. فما يهمُّها هو أن تتزوج وتُنجِب عيالاً.
هي أيضاً لها نظريتها.. فهي تؤمن بالنظرية القائلة (ظل راجل ولا ظل حيطة.. حتى لو كان الراجل كَيْ شوال الحلبة.. ثقل ومرارة)!
3
… وحيث إنَّ رجب كان شديد الشبه بالحيطة.. حتى إنَّ الناظر إليهما معاً يجد صعوبةً بالغة في التفريق بينهما.. كما أنَّه يَمُتُّ إلى شوال الحلبة بِصِلةٍ ما.. وحيث إنَّ أم السعد كانت تمتلك ساقين ممتلئين مكتنِزين.. فقد الْتقت النظريتان.
4
… عاشت في ظلِّه.. وعاش ينظر إلى ساقها الممتلئ دون أن يَمسَّه.. فهو لم يكن يريد الساق للمُتعة ـ والعياذ بالله ـ وإنما كان ذلك ضرورياً من أجل استقامة النظرية.. لكنَّه كان في حيرة من أمره.. فلم يستطع أن يوفِّق بين مظهر الساق المكتنِز.. وبين باقي الجسد الذابل والنهدين الممسوحين.. وأصبح كثيراً ما يضع رأسه بين كفَّيه.. مُحاولاً أن يجد في هذا الرأس أي بصيص يُنير له الطريق لحل هذه العقدة.
5
… ماتت أم السعد..
وحيث إنَّ رجب قد تعلَّم في الجغبوب أنَّ الزوجين هما الأَولى بتغسيل بعضهما.. فقد قام بتغسيل زوجته.. وأثناء خلعه لملابسها اكتشف شيئاً مُروِّعاً:
كانت تلبس تحت جوربها مجموعةً من سيقان الجوارب السميكة.. وبدا ساقها مُجرَّداً كساق الزرافة نحافةً واعوجاجاً.
لقد غشَّتْه.. عليها رحمة الله.
6
… ابتسم رجب وقال:
ــ لم يكن العيب في النظرية.. ولا في التطبيق.. كانت مسألة غشٍّ فقط.. فالنظرية لا تزال قائمة.. بل ما حدث بُرهانٌ على صِحَّتها.. فلو كان الساق ممتلئاً حقاً.. لمَا كان الجسد ذابلاً والنهدان ممسوحين.
… بعد أن كلَّفه هذا الخِداع عشر سنواتٍ عِجاف.. بدأ من نقطة الصفر.. باحثاً عن أم السعد أخرى .. تؤمن بنظرية (الحيطة والظل).
***
(1995)