المقالة

من دون ثقافة .. كان ياما كان…

 

في سالف السنين والأيام، كان ثمة وزارة للثقافة والإعلام، وكان لها وزير همام، يسمى نوري ضو الحميدي، لا يفرق بين ورفلي أو محمودي أو عبيدي، يفتح مكتبه باستمرار،

و يستقبل الآراء والأفكار، وكان جواله دائم الرنين، يحادث الحكماء والمجانين، يستمع باهتمام للجميع، لأبناء المدن والواحات والنجوع، ويسأل عن الكبار والصغار، آناء الليل وأطراف النهار، ويطمئن على أحوال الشيوخ و الكهول،  كأنهم زهرات في طور الذبول.

يقيم المهرجانات بالأيام، ولا يبخل على أحد من الأنام، ويعشق الغناء والطرب ويمنح المال لكل من رغب ، فينفق منه القليل و الكثير، على الصغير قبل الكبير، يولم لكل مشاكس، ويقرب كل من يعاكس، يقال أنه شاعر رقيق، يحب الفرفشة ويكره التضييق،اشتهر بالبساطة والتواضع، فأصبح مطمعاً لكل طامع، خاصة ممن يسمون بأمناء القطاعات،ومعهم مدراء الإدارات.، الذين يأكلون ولا يشبعون، ولا يمدون الأقداح بعدما يشربون، وبكل شيء كانوا يستأثرون، ويعبثون بميزانيات القطاع التي قسموها إلى أرباع، فأصبحت فيما بينهم محض مشاع.

ومضت الأيام بالأمانة سريعة، تسابق الأزمان حسب الطبيعة، كرنفالات في كل قرية  ومهرجان، وليال إبداعية في كل مكان، فتتالت الإصدارات والمطبوعات ، وازدهرت  الندوات والأمسيات،واستحدثت الصحف والإذاعات في كل المدن والشعبيات، من طبرق إلى غات، حتى شعبية الواحات،  وأصبح للثقافة قصور وبيوت، بعد أن كانت تتسكع في الطرقات، وعمت الأعراس و الأفراح، وفي ليلة ليس فيها ضوء قمر، وفي جلسة لأكبر مؤتمر، ألغيت الأمانة( الوزارة )، وكأن لم تكن لها ( خبّارة )  وكأنه أمر دبر بليل، ليس فيه نسمة هواء عليل، صدر القرار في الختام، بإلغاء الثقافة والإعلام، وجاء في النشرة على استحياء، مجرد خبر بالإلغاء، وبلا أدنى استثناء، أو  إشارة إلى الجسم البديل، الذي سيرث الحمل الثقيل، وكأن الأمور ستمضي بالبركة، في تسيير هذه التركة، وسيتفرق دمها بين الوزارات، وتتحول لمجرد هيئات وإدارات، بعد أن كانت تملأ الأفواه والأسماع، وتنتشر في كل الأصقاع، أمانة ( تحن وترن )، تحولت إلى شيء من الظن، كادر وملاك كبير، من الغفير إلى الوزير، يقدر بأحد عشرة ألف إنسان، من بوكماش حتى الجرفان، مسكنين على درجات و وظائف، كملاذ مطمئن  لكل خائف، من سكين التسكين، أو كادر الشياطين، الذي يلوح بين الحين والحين.

كان يا ما كان هذا القطاع، له وزير مطاع، ليس ضعيفاً ولا بشجاع، وهذه سمة لأهل الإبداع، يغردون تارة مع الأسراب، ويتبعون الغاوون خلف السراب، كانوا مثل جوقة من الدراويش، حيناً تهيم، وحيناً تبندر حتى تعيش، وكانوا في وديانهم يهيمون، وصوب المحافل يتراكضون، تارة في المعارض والندوات، وتارة خلف إحدى الأمسيات، قلة تبحث عن أمجاد وهمية، وأخرى تسعى خلف أوهام غير مجدية، ونفر يطمح لجزء من ميزانية، وهذا حال كل البشر،في كل زمان وعصر،  تفرقهم مطامح، وتجمعهم إن هم اجتمعوا المصالح، كانوا يعيشون في شبه رخاء، الجميع ( رفقاء و فرقاء )، يتراشقون بالمقالات والأفكار بالمجان ، ويثيرون الزوابع في فنجان، يفرقهم قرار، ويلم شملهم مزمار، يحلمون بالحرية كالعبيد، ويصوبون أنظارهم إلى البعيد،  كان يا ما كان، آلاف من الكتاب والأدباء، أصبحوا يبحثون عن مجرد وعاء، أو مظلة تحميهم من الأنواء، فهل يا ترى ستتفرق القلوب، ونظل نبكي على اللبن المسكوب، ونسفح ما تبقى من دموع، على انطفاء آخر الشموع، أم ترى أن هذا القرار قابل للتدبر في رابعة النهار، فقد تكفي بقايا قوس الكسعي، لاصطياد أرنب بري، خير من ألف غزال لن يطال، وسيبقى في عداد المحال، أن تعود للوراء هذه الأجيال،  بعد أن أنهكها الاغتراب والترحال، والتأرجح من مجال إلى مجال. وها أنا أكتب هذا الكلام، بعد ضياع الثقافة والإعلام، حتى لا أتهم بالمجاملة ، أو أنني مستفيد ( بالمعاملة )، فرأينا في السيد الوزير، لن يقدم ولن يؤخر القليل ولا الكثير، بل هي مجرد خواطر، مرت هذا المساء عبر الخاطر، فأردت أن أسطرها بكل أمانة، بعد زوال الوزارة ( الأمانة ) ولن أكترث بآراء مجموعة أو شلة، من الذين يأكلون الغلة، ويسبون الملة، وسأظل أذكر ما قاله ذات مساء، صديق عربي عن الوزراء، وأنهم لا يرونهم إلا في التلفاز، تماماً مثل برامج السهرات والألغاز. عبر الفضائيات بكل امتياز.

27.03.2009

مقالات ذات علاقة

نصف التفاتة

سعاد الورفلي

«الإبادة الجماعية» في ليبيا الحديثة.. التاريخ المخفي للاستعمار

المشرف العام

الفنان محمد حسن… رحل منذ عـقود

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق