الطيوب | متابعة وتصوير : مهنَّد سليمان
احتضن فضاء محمود بي بالمدينة القديمة طرابلس، مساء يوم الأحد 23 مارس الجاري لقاءً حواريًا مع الكاتب والصحفي عبدالسلام الفقهي، ضمن فعاليات الدورة الثالثة من ليالي المدينة – موسم أيام الخير. أدارت الحوار الكاتبة والصحفية فتحية الجديدي، مديرة تحرير صحيفة الصباح، التي قادت دفة النقاش بأسئلة ثرية حول تجربة الفقهي في الصحافة والنقد الأدبي، وسط حضور نخبة من الأدباء والصحفيين والمثقفين المهتمين بالشأن الأدبي والصحفي الليبي.
بواكير التجربة الصحفية
استهل الفقهي حديثه بالعودة إلى بداياته في الصحافة، مشيرًا إلى أن انطلاقته التي كانت من صحيفة الشمس، حيث تلقى أولى دروسه المهنية تحت إشراف الأديب الراحل خليفة حسين مصطفى، الذي لعب دورًا محوريًا في توجيهه وصقل مهاراته، ووصف الفقهي اللقاء الأول الذي جمعه بالأديب الكبير، حين سأله مباشرة: “ماذا تريد أن تكون؟ صحفي أم محرر أدبي؟”، وهو سؤال كان له أثر بالغ في تحديد مساره المهني.
وأضاف الفقهي أن رحلته في الصحافة لم تكن سهلة، إذ بدأ كمتدرب في أقسام متعددة، شملت الاقتصاد والسياسة، قبل أن يستقر به المطاف في القسم الثقافي، حيث وجد شغفه الحقيقي. وأكد أن الصحافة الثقافية آنذاك كانت تفتقر إلى محررين متخصصين، مما دفعه إلى البحث والتعلم ذاتيًا، عبر قراءة النقد الأدبي ومقارنة كتاباته بأساليب النقاد المخضرمين.
المرآة والصورة.. الأدب بوصفه انعكاسًا للمجتمع
فيما توقف الفقهي بالحديث عن كتابه المعنون “المرآة والصورة” الصادر عن دار السراج للنشر والتوزيع فقد لفت إلى أن العنوان يحمل دلالة رمزية، حيث تمثل المرآة الأدب بوصفه انعكاسًا لواقع المجتمع، بينما تعبر الصورة عن مكونات هذا الواقع المتعددة. وأشار إلى أن الكتاب يتناول مجموعة من الأعمال الأدبية الليبية، ويقدم قراءات نقدية لبعض نتاجات الأدباء المحليين، بأسلوب يجمع بين النقد الأكاديمي والانطباعي.
ضمن هذا السياق، عرّج الفقهي على إشكالية النقد في المشهد الثقافي الليبي، لافتًا إلى الفجوة بين النقد الأكاديمي، الذي يعتمد على المصطلحات والتحليل العميق، والنقد الانطباعي الذي يقترب أكثر من القارئ العادي. وأضاف أن هذه الإشكالية ليست محلية فقط، بل تمتد إلى المشهد النقدي العربي ككل، حيث يعاني النقد من التقوقع داخل المؤسسات الأكاديمية، مما يحدّ من تفاعله مع الجمهور الأدبي الواسع.
بين الصحافة والنقد.. التحديات والآفاق
وتطرق الحوار في المقابل لجملة من التحديات التي تواجه الصحفيين والكتاب في ليبيا، خاصة حين يتعلق بإنتاج محتوى نقدي متوازن، يجمع بين التحليل العميق والأسلوب السلس القريب من القارئ. وذكر الفقهي أنه تأثر خلال مسيرته بعدد من النقاد العرب، مثل صلاح فضل، جابر عصفور، علي حرب، وغيرهم، حيث حاول الاستفادة من منهجياتهم النقدية دون أن يفقد هويته الخاصة في الكتابة.


من جانب آخر سلط الفقهي الضوء على أهمية وجود حركة نقدية نشطة ترافق الإنتاج الأدبي، مؤكدًا أن غياب النقد الجاد يؤدي إلى تراكم نصوص لا تخضع للمراجعة والتقييم، مما قد يؤثر سلبًا على تطور المشهد الأدبي. وأشار إلى أنه يسعى، من خلال كتاباته، إلى خلق مساحة وسطى بين النقد الأكاديمي والنقد الصحفي، بحيث يكون النقد مفهومًا، لكنه في الوقت ذاته غير سطحي أو متسرع.
هشاشة التواصل بين الأجيال الصحفية
خلال اللقاء أيضا، رصد الفقهي ملامح علاقته بالأديب الراحل خليفة حسين مصطفى، مشيرًا إلى أنه أهدى كتابه “المرآة والصورة” إلى روحه، تقديرًا للدور الذي لعبه في مسيرته الصحفية والأدبية. استرجع ذكرياته الأولى معه، وكيف كان مصطفى يختبر قدراته عبر تكليفه بمراجعة كتب وتقديم ملخصات نقدية لها، وهي التجربة التي صقلت مهاراته في الكتابة النقدية والصحفية.كما أشار إلى أن خليفة حسين مصطفى كان واحدًا من الشخصيات الأدبية التي شكلت جسراً بين الأجيال الأدبية في ليبيا، لكن غياب أجيال صحفية متتابعة جعل هذه الحلقة تبدو ضعيفة في المشهد الثقافي الحالي.
واختُتم اللقاء بتوقيع نسخ من كتاب “المرآة والصورة” للحضور، وسط أجواء ثقافية اتسمت بالحوار والتفاعل الإيجابي، في أمسية أضافت بصمتها إلى المشهد الثقافي الليبي.





