الجمعة, 14 مارس 2025
متابعات

رموز ليبيا الثقافية صنّاع النهضة الفكرية بين قرنين

ندوة حوارية عن رموز ليبيا الثقافية بين القرن التاسع عشر القرن العشرين

لليوم الثالث على التوالي تستمر فعاليات ليالي المدينة – موسم أيام الخير لعام 2025م حيث تتفاعل فضاءات المدينة القديمة بالزخم الثقافي والفني والترفيهي وسط إقبال كبير للزوار، وفي مساء يوم الخميس 13 مارس الجاري التأمت ندوة حوارية متميزة بفضاء محمود بي قدمت إضاءات على رموز ليبيا الثقافية بين القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ممن تركوا أثرا للنهضة وملمحا يُراهن عليه للتقدم ، شارك في الندوة كوكبة من البُحّاث والمهتمين وهم :- الباحث عبد المطلب أبو سالم، والباحث بدر الدين الورفلي، والباحث مصطفى حقيَّة الذي تولى إدارة وتقديم الجلسة.

أحمد بن شتوان: أديب الذي صنعته ليبيا
في معرض حديثه، أشار الباحث عبد المطلب أبو سالم إلى أن النهضة الفكرية في ليبيا لم تكن وليدة الصدفة، بل جاءت نتيجة تبلور رموز ثقافية أسست لانتشار الأدب والفكر منذ منتصف القرن التاسع عشر. ومن بين هذه الشخصيات اللامعة، برز اسم أحمد ساسي بن شتوان، الذي تميز عن غيره من أبناء جيله بكونه تلقى تعليمه داخل ليبيا، في وقت كانت غالبية الأعلام الليبية تتجه لجامع الزيتونة أو الأزهر.

ولد بن شتوان عام 1820 في مصراتة، ثم انتقل مع عائلته إلى بنغازي حيث تلقى تعليمه الأولي في الكتاتيب. عُرف بعلاقته المبكرة بالحركة السنوسية، وعندما عاد إلى طرابلس في عهد محمود نديم، كان شاهداً على ولادة الصحافة الليبية، حيث تولى رئاسة تحرير أول صحيفة ليبية عام 1866، وكتب افتتاحيتها بأسلوب رصين يعكس اهتمامه بالأدب والشعر. لكن مشواره الصحفي لم يستمر طويلاً، إذ غادر إلى إسطنبول عام 1867 في ظروف غامضة، ليشغل لاحقاً منصب مُدرِّس في جامع السلطان محمد الفاتح، حتى وافته المنية عام 1882، ولقب أحمد بن شتوان بـ”رائد الأدب الليبي”، فقد كان من أوائل من ساهموا في تشكيل الهوية الثقافية للبلاد، في زمن بدأت فيه الحركات الإصلاحية تتشكل وتنهل من المعارف الحديثة.

أحمد الفقيه حسن: الأديب التاجر ورحّالة المعرفة
وتناول الباحث أبو سالم أيضاً سيرة أحمد الفقيه حسن، الذي نشأ وسط بيئة ثقافية غنية، حيث كان والده التاجر حسن الفقيه حسن صاحب مكتبة ضخمة، يعير منها الكتب لكبار المشايخ والمثقفين. انعكست هذه البيئة على شخصية أحمد، فبدأ نظم الشعر مبكراً، لكنه لم يكتف بذلك، بل تعلم الفرنسية على يد مدرس نمساوي يُدعى “شار”، مما أتاح له الانفتاح على آفاق معرفية أوسع.

انخرط أحمد الفقيه حسن في العمل الحكومي، حيث شغل منصب “باش كاتب”، لكن شغفه بالمعرفة قاده إلى السفر بين ليبيا وإيطاليا وفرنسا، ليكتسب المزيد من الخبرات العلمية والثقافية. ترك مخطوطاً مفقوداً يوثق رحلاته، وكان على اتصال بمفكرين كبار مثل رفاعة الطهطاوي وأحمد الشدياق.

عبد الله جمال الدين الميلادي: الصحفي الذي تحدى الاستعمار
في مداخلة الباحث مصطفى حقّية، برزت شخصية عبد الله جمال الدين الميلادي، الصحفي والمفكر الذي تتلمذ على يد كبار المشايخ مثل الشيخ محمد كامل بن مصطفى، ووجد في الصحافة منبراً لنشر الوعي الوطني. كتب في صحيفة “الرقيب العتيد” التي أسسها محمود نديم بن موسى، ثم انتقل إلى “اللواء الطرابلسي”، التي صادرتها السلطات الإيطالية، مما دفع مديرها عثمان القيزاني إلى إعادة كتابتها بخط يده، لتوزع في الخفاء.

كان الميلادي من مؤسسي “مكتب العرفان”، الذي ضم نخبة من المثقفين الليبيين، وعمل على تنمية الحس الوطني لدى الطلاب من خلال الأناشيد التي كان يؤلفها ويلحنها. بسبب مواقفه الوطنية، تعرض للملاحقة من قبل السلطات الإيطالية، مما اضطره للهجرة إلى تونس، ثم إلى إزمير بتركيا، حيث استمر في نشر الفكر الوطني بين الجالية الليبية هناك حتى وفاته عام 1963.

محمود ناجي الأرناؤوطي: صوت ليبيا في مجلس المبعوثان
فيما سلط الباحث بدر الدين الورفلي الضوء على شخصية محمود ناجي الأرناؤوطي، الذي ولد بمدينة الخمس عام 1873، وتلقى تعليمه في المدرسة الرشدية قبل أن ينضم إلى العمل الحكومي. لكنه لم يكن مجرد موظف إداري، بل خاض غمار الصحافة، حيث كتب في صحيفة “الترقي”، متأثراً بجمعية الاتحاد والترقي العثمانية.

كما لفت الباحث الورفلي إلى أن أبرز محطات محمود ناجي كانت انتخابه نائباً عن لواء الخمس في مجلس المبعوثان العثماني عام 1908، حيث كان صوتاً قوياً يطالب الدولة العثمانية بمواجهة التغلغل الإيطالي، خاصة في المجالين الاقتصادي والتعليمي. ومن مواقفه الشهيرة انتقاده لتأخر الدولة العثمانية في إرسال الأطباء إلى طرابلس أثناء وباء الكوليرا، ما دفع سكان بعض المناطق إلى الهتاف “عاشت إيطاليا” بعدما تلقوا العلاج من الأطباء الإيطاليين، وهو ما اعتبره ناجي مؤشراً خطيراً على ضعف نفوذ الدولة العثمانية في الولاية.

وتابع بالقول : ترك محمود ناجي بصمة فكرية مهمة بكتاب “تاريخ طرابلس الغرب”، الذي شارك في تأليفه مع شقيقه محمد نوري، وسلط الضوء على قضايا الحدود والتغلغل الأجنبي في ليبيا قبل الغزو الإيطالي عام 1911م، وعرّج الورفلي كذلك على اهتمام محمود ناجي بمسألة الحدود في كتابه تاريخ طرابلس الغرب (الصادر في الأصل باللغة التركية وترجم في السبعينات) في الفصل الرابع وهذا الفصل وفق ما يراه الباحث يتمتع برمزية هامة فيجد أن أهمية هذا الكتاب الدلالية تتأتى انطلاقا من وجود شعور وطني مبكر ولو كان جنينيا وغير متبلور بشكل كامل لدى نفوس ووجدان المثقفين الليبيين آنذاك بقضية الوطن والغريب أن هذا الأمر ينكره بعض مثقفي ليبيا المعاصرين.

إرث فكري لا يُمحى
من أحمد بن شتوان إلى محمود ناجي، قدم هؤلاء الرواد مساهمات فكرية وصحفية أثّرت في المشهد الثقافي الليبي، وشكّلت الوعي الوطني في حقبة مفصلية من تاريخ البلاد. ورغم اختلاف توجهاتهم ومساراتهم، إلا أنهم جميعاً اجتمعوا حول هدف واحد: صناعة نهضة فكرية ليبية مستقلة عن الهيمنة الأجنبية، تنبع من الداخل وتخدم الأجيال القادمة.

مقالات ذات علاقة

مكتبة طرابلس العالمية تكتسي بحُلة جديدة وتطلق مبادرة رائدة

مهنّد سليمان

بورتريه محمد القماطي

مهند سليمان

ندوة عن كتاب ’’مواهيم الجبل‘‘ للدكتور محمد المفتي

المشرف العام

اترك تعليق