الطيوب | حاورها : مهنَّد سليمان
تُمثل زينب حفني عبر مسيرة أدبية حافلة نموذجًا لصوتٍ روائيٍّ جريء وصادق يتجاوز القوالب النمطية، ويتماهى مع أنساق رؤيوية كاشفة لحقائق يعمد الوعي الجامد على تشويهها ، حيث تنطلق كتاباتها فتعكس في طياتها نبض المجتمع وتناقضاته وإزدواجيته الفادحة أحيانا. بقدرة سردية متقنة، وتمزج حفني بين الذاتي والعام، لتُقدم أعمالًا تلامس القارئ وتثير تفاعله وسخطه. ورغم ما حققته من نجاحات أدبية داخل السعودية وخارجها، لا تزال تواجه عدة تحديات تفرضها تعقيدات المشهد الثقافي السعودي خاصة برغم التحولات الاجتماعية الكبرى. وبينما تسلط الضوء على الإشكاليات التي تواجه الأدب والمرأة في العالم العربي، تبقى رؤيتها الأدبية متقدة ومسكونة بهاجس البحث عن حقيقة بداهة الأشياء، ومؤمنة بدور السرد في تشخيص أزمات الواقع الراهن واستشراف آفاق المستقبل.
كيف تختارين موضوعات رواياتكِ وقصصكِ؟
من المعروف أنني أنتمي للكتابة الواقعية. لذا تجد بأن هناك موضوعات اقتبستها من مراحلي العمريّة، بدءاً من طفولتي، ومروراً بفترة مراهقتي ومطلع شبابي، إلى مرحلة النضج في حياتي. من الصعب على أي أديب مهما كان بارعاً في صياغة الحبكة الروائيّة، السيطرة على شخوص روايته، والتحكّم في مصائرها، حين يكتب فصول روايته، أن يفصل نفسه عن مخزون ذكرياته، وموروثاته الاجتماعيّة وإلا أصبح روائيّاً متملقاً، يُمارس التدليس على قرّائه. الإنسان هو ابن بيئته، وابن مجتمعه، الذي ترعرع وعاش فيه. لذا تجد كل رواياتي، تعكس الواقع. وستجد بمحتواها، الكثير من القصص التي عايشتها عن قُرب، وتأثرت بمعاناة أصحابها، واستفزوا قلمي للكتابة عنها، ووضعها في قالب إبداعي، يجذب القارئ ويتفاعل مع فصولها.
ما هي أكبر التحديات التي ما زلتِ تواجهينها كروائيّة سعوديّة، وكيف تتغلبين عليها؟
على المستوى الشخصي، أنا امرأة تُحبُّ التحدي، وهو جزء من شخصيتي. وأعتبر هذه الصفة نعمة كبيرة، لأنَّ التحديات التي تواجهك في حياتك، إن لم تكن قادراً على التصدّي لها، سترغمك على التوقّف، وفقدان الرغبة في الاستمرار، وهذه من أصعب المراحل التي من الممكن أن يمر بها المبدع، وهي مرحلة فقدان الشغف بالكتابة، نتيجة الانتكاسات، وخيبات الألم التي تُصادفه في طريقه.
حدثينا عن النجاحات، والمحطات الهامة، في مسيرتك الأدبية.
الحمد لله، لقد حققتُ مكانة كبيرة في الساحة الأدبيّة السعوديّة والعربيّة. ويُسعدني أن هناك عشرات من رسائل الدراسات العليا تمّت في نتاجي الأدبي، وهذا يعني أن أدبي مؤثر. كل محطات حياتي الأدبية هامة، وكلها ساهمت في تعزيز مكانتي الأدبية، وأكون جاحدة لو شعرت بالندم على أيٍ منها.
يُقلقني تصدّر أنصاف الموهوبين للمشهد الثقافي السعودي
كيف تُقيّمين المشهد الأدبي السعودي؟ وماهي التغيرات التي شهدتها الكتابة الأدبيّة في المملكة، سيما عُقب الإصلاحات الاجتماعيّة؟
الحقيقة بأن التغيرات الثقافيّة مقارنة بالإصلاحات الاجتماعية الرائعة التي تشهدها بلادي، تجعلني أشعر بالقلق! المشهد الثقافي لم يتبلور بعد، وصورته مبهمة، تحتاج سنوات كي تتضح الرؤيا، ما يُقلقني تصدّر أنصاف الموهوبين للمشهد الثقافي السعودي! هل تُصدق بأن المناسبات الثقافية، ومعارض الكتب في بلدي، تتجاهل اسمي، ولا يتم دعوتي للمشاركة فيها، ولا تستعين بخبرتي الروائيّة، رغم أنني عانيتُ الأمرين إبّان الصحوة الدينيّة التي كانت تُسيطر عقوداً طويلة على المشهد الثقافي السعودي! جيلنا من الأدباء والأديبات تأثروا بالأجيال التي سبقتنا في كتابة الرواية والقصة القصيرة، ونفتخر بهم، وأنهم كانوا بوصلة الثراء المعرفي بالنسبة لنا. اليوم لو سألت أي قاص أو أديب سعودي، من جيل الأدباء الصاعدين، ستجده يجهل أسماء الرواد من الجنسين الذين أثروا الساحة الأدبية السعودية!
ما رأيكِ في دور المرأة في الأدب العربي اليوم، وما هي التحديات التي تُواجهها الكاتبات؟
المرأة بدأت تأخذ حقوقها في العالم العربي، وتغيّرت نظرة المجتمع الذكوري لها، لكن على الجانب الآخر، أنا متخوفة في أن تُصبح المرأة مجرد سُلعة يستغلها الرجل لتحقيق أغراضه الشخصيّة، بحجة سعيها الدائم للحصول على حقّها في المساواة والحرية، وهذين الهدفين النبيلين تفصل بينهما، وبين احترام آدميتها شعرة دقيقة، لا تُرى بالعين المجردة !



الجميع يعلم بأنني جاهدتُ أكثر من ثلاثة عقود من خلال أدبي، ليكون للمرأة صوت قوي داخل مجتمعي، وتُصبح هي المحرّك الفعلي لحياتها وفي حياة أبناءها وأسرتها، لكن مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي واستغلال بعض النساء هذه المواقع، لفرض أنفسهنَّ بطرق رخيصة هابطة لغرض الشهرة، وجني المال، سحب البساط من قدمي المرأة المثقفة، وقلَّ تأثيرها، وتصدّر هذا المشهد السلبي أغلبية المجتمعات العربيّة، مما جعل هذه العوامل من أكبر التحديات التي تواجه الأديبات العربيات بصفة عامة.
هل تعكفين على مشروع أدبي جديد حالياً يُمكن أن تُخبرينا عنه؟
نعم أعكف حالياً على عمل جديد، قصته تدور في المزج بين التاريخ والحاضر. أنا شغوفة بقراءة كُتب التاريخ، وأؤمن بأن الطريق للتقدّم والازدهار، يكمن في مراجعة تاريخنا بحيادية تامة، والتمعّن في ثغراته، كي نستفيد منه، لأجل أجيالنا القادمة.
كلمة أخيرة:
أنا مهمومة بما يجري بعالمنا العربي من أحداث جُسام، وأتمنى من كل قلبي أن يعم الأمن والاستقرار بلداننا العربيّة، فأنا من المتمسكات بفكرة المؤامرة، وأن الغرب لن يهنأ له بال حتّى ينشر الفوضى بين شعوبنا كي ينهب ثرواتنا، لكن بفضل يقظة حُكّامنا ومسئولينا، نستطيع الحفاظ على أوطاننا، والتصدي لكل معول يسعى لهدم جدرانه المنيعة.




