الثلاثاء, 8 أبريل 2025
المقالة

تأملات مشّاء

زقاق بالمدينة القديمة (الصورة: من تصوير مهند سليمان)
زقاق بالمدينة القديمة (الصورة: من تصوير مهند سليمان)

أسئلة متعددة طرقت ذهني حول واقع الفنون في بلادنا، على خلفية نشاطين ثقافيين أُقيما مؤخرا خلال ليالي شهر رمضان المبارك بالمدينة القديمة، حيث ناقش الأساتذة المشاركون فيهما أزمة عزوف الجمهور عن المسرح، فضلًا عن غياب الحركة المسرحية نفسها. أما المحور الثاني فتمثل في المشهد السينمائي الليبي ومحاولات التجريب الأولى في هذا المجال.

قبل أن نُشخّص حالة الركود أو الضحالة في الحراك الفني، سواء في المسرح أو السينما، علينا طرح سؤال جوهري: هل يحتاج مجتمعنا المحلي فعلًا إلى هذه الفنون؟ وهل يتطلع الليبي من خلالها إلى البناء الفكري؟

في تقديري، لا يبدو أن الفنون، بمختلف أشكالها من مسرح وسينما مرورا بالأجناس الإبداعية الأخرى كالرواية والشعر والرسم التشكيلي والنحت، تمثل أولوية ملحة لدى غالبية الليبيين، وهو ما يظهر جليًا في انصرافهم عن مواكبتها أي الفنون. ربما يعود ذلك إلى طبيعة الشخصية الليبية ومحدودية قابلية تأثرها بالمعطيات الحضارية؛ فالليبي لا يرى بأن الفنون تلبي احتياجا ضروريا لديه ولو كان غياب البُنى التأسيسية للفنون هو العائق الوحيد، لكنا شهدنا إقبالًا من الليبيين على الفنون عند سفرهم للخارج، لكن الواقع يكشف العكس تماما، إذ قلما نجدهم يرتادون دور السينما أو المسارح أو المعارض الفنية، مما يعزز فرضية أن الفن يأتي في ذيل قائمة اهتماماتهم، وقد يُرجّح عدم التفاعل الاحتياجي عاملا رئيسا لازدهار بيئة محلية طاردة لكل ما يمت للفن بصلة.

حتى الطوابير التي كانت تقف أمام أكشاك بيع الصحف خلال الحقبة الملكية، لم تكن بالضرورة تعبيرًا عن اهتمام ثقافي واسع، بل ارتبطت، في كثير من الأحيان، بظاهرة محددة مثل كتابات الصادق النيهوم، التي أحدثت طفرة عابرة بين أوساط الشباب آنذاك.

كل مجتمع يصوغ أخلاقياته وملامح ذائقته وفق احتياجاته الاجتماعية والاقتصادية والترفيهية. وأحد أسباب ضعف الاهتمام بالفنون في ليبيا يتجلى في أنماط السلوك التي تظهر أثناء الفعاليات الفنية، سواء من حيث اللامبالاة أو التفاعل العشوائي. وعندما ينجذب الليبي إلى عمل فني معين، فغالبًا ما يكون ذلك لأنه لامس نزعاته النفسية ووافق مزاجه العام. وأقرب مثال على ذلك هو شغف بعض الشباب والمراهقين بالأفلام الأمريكية، حيث يتضح أن ما يجذبهم إليها هو الإثارة التي تتماشى مع انفعالاتهم، خاصة في أفلام العنف والرعب.

مقالات ذات علاقة

السور

عبدالرحمن جماعة

الجوع الأعمق.. ذلك الجوع المسكوت عنه !!

المشرف العام

الكلب والسيارة

عمر أبوالقاسم الككلي

اترك تعليق