مجيدة محمدي | تونس
أنا لا أكتب، أنا أطرقُ الزجاجَ بأطرافِ أصابعي،
أختبرُ هشاشةَ الفكرةِ تحتَ الضوءِ الباردِ للشاشة،
أقلبُ اللغةَ بين كفّي كما يُقلِّبُ ساحرٌ قطعةَ ذهب،
أبحثُ عن الشقوقِ الخفيّةِ في النصِّ، حيثُ يختبئُ الضوءُ مثلَ عيني فهدٍ في العتمة.
أكتبُ كما يسيرُ العميانُ على الحوافِّ الحادّةِ للعالم،
أتلمّسُ الكلماتِ بأطرافِ قلبي،
أزيحُ الستائرَ الثقيلةَ عن الجملةِ المستحيلة،
أركضُ خلفَ الاستعاراتِ كما يركضُ صيّادٌ في ضبابِ الأحلام.
كلُّ شيءٍ هنا مُنحرفٌ قليلًا عن مكانهِ الصحيح،
الكرسيُّ أقصرُ بسنتيمتر،
الجدارُ يميلُ بضعَ درجاتٍ نحوَ الصمت،
والأفكارُ تذوبُ كأنها شموعٌ لا تصدّقُ الزمن.
أنا لا أكتب، أنا أنحتُ الهواءَ بأصابعِ الغياب،
أخلقُ زوايا جديدةً للعالم، حيثُ تنزلقُ الجاذبيةُ نحوَ احتمالاتٍ أخرى،
حيثُ الشمسُ ليست برتقالة، بل ثقبٌ في السماءِ يراقبُ بصمت،
حيثُ الطريقُ ليست مستقيمة، بل طيّةٌ في الورقِ الأبيضِ للواقع.
أكتبُ من الزوايا التي تخشاها العيون،
من الخطوطِ التي لم تُرسَم بعد،
من الفراغِ الذي بينَ الحرفِ والحرف،
حيثُ المعاني تُولدُ وهي تهربُ من أيدي النسيان.
أنا لا أبحثُ عن الكلماتِ الصحيحة، بل عن الكلماتِ المضيئة،
عن الفوضى التي تصنعُ اتساقها الخاص،
عن الضبابِ الذي يشفُّ عن سرٍّ لم يُقل،
عن الكتابةِ التي لا تُشبهُ الكتابة.
2 تعليقات
شكرًا من القلب لمنصتكم على نشر نصي وإتاحة هذه المساحة الرحبة للفكر والإبداع. أنتم تصنعون من الكلمات جسورًا للحوار ومن الأفكار مساحات للنمو. ممتن لهذا التقدير وهذه الفرصة التي تعزز قيمة الكلمة الحرة والمعرفة المتجددة.
الشكر لإبداعك المتميز وكلماتك الوارفة