الإثنين, 31 مارس 2025
النقد

قراءة في قصيدة أغنية الغابة للشاعر عبدالوهاب قرينقو

قراءة في قصيدة أغنية الغابة للشاعر عبدالوهاب قرينقو.. بقلم: سالم ميلود أبوظهير
قراءة في قصيدة أغنية الغابة للشاعر عبدالوهاب قرينقو.. بقلم: سالم ميلود أبوظهير

قصيدة (أغنيةُ الغابة) للشاعر الليبي عبدالوهاب قرينقو تعكس الواقع المقهور في وطن يشبه الغابة. وتصور معاناة الأفراد في مجتمع يعاني من الفوضى والضياع…!!!

الشاعر عبدالوهاب حسين علي صالح قرينقو، صحفي وشاعر وكاتب ليبي، من مواليد مدينة هون الليبية 22 سبتمبر 1966م، وهو اعلامي بارز، سبق وأن عمل محرر أخبار في قناة 218 الإخبارية، وترأس تحرير صحيفة أخبار الجفرة. نشر نتاجه الصحفي والادبي في عدد من الصحف والمواقع الليبية والعربية، له عدد من الدواوين المنشورة منها: ألسنة الليل، ومزيداً من الغزل، وبعيداً عن الحديقة.

كتب للمسرح مسرحية “برج القهوة”، التي قدمتها فرقة مسرح هون في مهرجان المسرح الليبي عام 2008.، وألف وأخرج مسرحية “الفريق” للأطفال عام 2001، والتي نالت جائزة العمل المتكامل في مهرجان مسرح الطفل بهون.

خاض عبدالوهاب تجربة كتابة الأغاني فكتب العديد من الأغاني باللهجة العامية والفصحى، منها أغنية “ليالي الخريف” التي شاركت في مهرجان الأغنية الليبية عام 2001، وأغنية “الليبي خوي” التي افتتحت مهرجان الخريف.

القصيدة:

أغنيةُ الغابة

السواد الأعظم من شعب الغابة

حاله المُحال، كما قيل قديماً:

(لا في العير ولا في النفير)..

ولتفهم

عصافير اليوم المذعورة:

(لا في التجارة.. ولا في الحرب)

لا في ميدان اللهاث

ولا في دهاليز الغنيمة

لا مع هؤلاء ولا أولئك

لا في عير المغارة المنهوبة

 ولا في نفير الكراسي

كما بكت عجوز مكلومة

مطروحة في “وطن العز” بلا دواء:

(لانا لله.. ولانا لعبدالله)..

وكما غنى

مغني مرسكاوي

بلسان شباب

ضربهم الكساد

في عهد قديم يتجدد:

(لاجينا.. هكي ولا هكي)

(مريض على ميت متكي)

وأضاف آخر فاقد ناقم سكران:

(فكينا من سوك فكي)

يا بلاد تشبه الغابة..

يا غابة تتنكر في ثوب بلاد.

قراءة القصيدة:

في المجمل كلمات قصيدة “أغنيةُ الغابة” للشاعر عبدالوهاب قرينقو، عبرت وجسدت بشكل (محترف) وقاس ومؤلم بؤس الواقع المر، وأحالت معاناة الإنسان بشكل عام (أن صح التعميم) في سياق اجتماعي مُركب.

تتوزع كلمات القصيدة في فضائها الرمزي (بشكل مذهل) الى ثنائيات على درجة عالية من التناقض بين الحياة والموت، والفقر والثراء، والحرب والسلام، الأمر الذي تمكن الشاعر من خلال ابيات قصيدته القصيرة المعبرة من عكس صورة قاتمة عن واقع قاسي يعاني فيه الأفراد من تناقضات الحياة في “وطن العز”.

تمضي القصيدة في إبراز عدد من التناقضات بصورة بليغة ومعبرة بشكل مؤثر عن استنكار الشاعر لحالات مختلفة من التهميش الاجتماعي والسياسي…!!

بداية موفقة

تميزت قصيدة أغنيةُ الغابة بأسلوبها السردي السهل، هذا التميز مكن الشاعر من أن يعكس ألم الإنسان في المحيط الذي يعيش فيه، والذي تحول الى مكان يشبه الغابة،

 تتداخل الصور الشعرية والرمزية في القصيدة لتكشف عن واقع مرير ينقله الشاعر بحرفنة وخبرة ونضج، يلمسها المتلقي من سطر القصيدة الأول. والتي تبدأ هكذا وبشكل مباشر وبلا مقدمات ولا حيل بجملة “السواد الأعظم من شعب الغابة”، هذا التعبير المباشر رغم عموميته لكنه مكن الشاعر من أن ينقل احاسيسه المؤلمة، التي عبرت وعكست بوضوح شديد حالات من الغربة الاجتماعية والتجاهل السياسي لمجتمع الشاعر.

مرة أخرى فأن تلك البداية التقريرية واستهلال الشاعر قصيدته بجملة السواد الأعظم من شعب الغابة، حملت القصيدة كلها في طياتها ملامح متفاوتة من الأسى والتهميش، وجعل هذه البداية تتناغم مع الصورة النهائية للقصيدة التي تدور حول “الغابة”، رمز الفوضى والانفصال عن النظام السياسي والاجتماعي السائد في بلاد تشبه الغابة.

رمزية ملهمة

رغم قصر ابيات القصيدة كرر الشاعر عبارة لا في معظم مقاطعها، وهذا يعكس بشدة حالة من الإنكار ورفض الواقع، وحالة   اللاجدوى التي يعيشها الشاعر وربما كل شعب الغابة والتي يرغب الشاعر في ايصالها للمتلقي،

وايضا هذا التكرار لم ينحصر فقط في شكل القصيدة برمتها، بل تسلل إلى المعنى العام والرسالة التي كتبها الشاعر في هذه القصيدة، ليجسد عبر هذه الرمزية وهذا التكرار التفكك والتشظي الذي يعاني منه الشعب في مواجهة الأزمات.

كما نجح الشاعر في تطويع صوره الشعرية بشكل جميل من خلال تشبيه “البلاد بالغابة” هو استعارة قوية تشير إلى التدهور الاجتماعي والتشويش الذي يعيشه المجتمع. الغابة، بما تحمله من دلالات الفوضى والتوحش، تصبح هنا مجازاً للواقع المتفكك، الذي يشهد عمليات استغلال متواصلة لا تفضي إلا إلى الفوضى والضياع.

امثال وأغاني شعبية

وفي لفتة ذكية من الشاعر تمكن بسهولة من أن يسوق مقاطع محملة من الأغاني والامثال الشعبية لا في العير ولا في النفير، لاجينا.. هكي ولا هكي وهو ما عزز الشعور والإحساس بالخذلان والتشتت لدى الشاعر والمتلقي على حد سواء.

واتكاء القصيدة كلها على المثل الشعبي والاغنية الشعبية أمر محمود رغم محاذير ان تفقد الكلمات في القصيدة توازنها، لكن قرينقو وهو الذي يكتب الشعر الغنائي ايضا، تمسك بجراءة ملفتة بتطعيم قصيدته بشكل لافت بمقاطع من الأغاني الشعبية والمقولات التي يتداولها الناس في حياتهم اليومية و(ربما) ليكسب ود المتلقي، ب “لاجينا.. هكي ولا هكي.. مريض على ميت متكي”، وهنا يتجسد الموقف الشعبي من الواقع، الذي يرى فيه الناس مفارقات حادة وصراعات غير منتهية. هذه المقاطع، التي تقترب من الأسلوب الساخر والمرير، تساهم في إبراز الصورة المظلمة التي ترسمها القصيدة بشكل موفق ومؤثر عن الواقع الاجتماعي. وعن حياة نعيشها في غابة تتنكر في ثوب بلاد.

حزن ومرارة

قصيدة أغنيةُ الغابة مليئة بالحزن والمرارة، وتغلب على نغمتها العامة اليأس والقنوط وعدم الجدوى، رغم ان الشاعر لم يغفل أن ينقل للقاري ما يفيد ان ثمة أمل ضئيل يتسلل عبر الأبيات. كما إن وصف الشاعر للوطن بـ “الغابة” ليس مجرد استعارة بل هو حكم قاسي على واقع يتنكر لأبسط حقوق الإنسان. القصيدة سلطت الضوء بحزن ومرارة على حالات الخواء الروحي والفكري التي تسود البلاد في ظل الحروب والأزمات الاقتصادية.

وأخيراً

أغنيةُ الغابة قصيدة نجح شاعرها في أن يؤرخ لحالة البلاد المثقلة بالأوهام والأوجاع، فأبرز الشاعر خلالها اختلاط ألمه الشخصي بالهم الجمعي. عبدالوهاب قرينقو قدم لنا صورة شعرية قاتمة، لكنه في الوقت ذاته رفع صوته عاليا عبر أغنيةُ الغابة ضد التهميش الذي يعاني منه المواطن في بلاده. القصيدة، حملت في طياتها مزيجاً من الغضب والأسى، وقدمت نقداً لاذعاً لنظام اجتماعي وسياسي ترك الناس في العراء، كالغابة التي تحتشد فيها عصافير اليوم المذعورة بلا هدف واضح. شكراً عبد الوهاب


صحيفة المنظار الليبية

مقالات ذات علاقة

قراءة في قصّة (ماسح الأحذية) لسالم الهنداوي

المشرف العام

إبحار مترقب في قصة (توجس) للكاتب الكبير فتحي نصيب

المشرف العام

البطل في قصة النزف.. للكاتب الأستاذ: محمد المسلاتي

إبتسام صفر

4 تعليقات

عبدالوهاب قرينقو 27 مارس, 2025 at 04:51

جزيل الشكر للدكتور سالم أبوظهير.. والشكر موصول لمديري موقع طيوب وصفحة بلد الطيوب.

رد
المشرف العام 28 مارس, 2025 at 01:04

نشكر مرورك الكريم

رد
سالم أبوظهير 27 مارس, 2025 at 13:26

شكراً جزيلاً لموقعنا الرائع (طيوب) وشكر خاص لصديقي المهندس الشاعر رامز على الأهتمام

رد
المشرف العام 28 مارس, 2025 at 01:03

الشكر موصول لك أخي ولكل ما تقدم لإثراء الأدب الليبي

رد

اترك تعليق