الطيوب | متابعة وتصوير : مهنَّد سليمان
نظّمت الجمعية الليبية للمكتبات والمعلومات والأرشيف جلسة حوارية بعنوان “حديث الذكريات: مكتبة مصطفى قدري معروف، وذلك مساء يوم الإثنين 24 مارس الجاري،ضمن فعاليات الدورة الثالثة من “ليالي المدينة – موسم أيام الخير” بفضاء محمود بي بالمدينة القديمة طرابلس حيث شارك في الجلسة كلٌّ من الباحث والمؤرخ مختار دريرة، والباحثة أسماء الأسطى، والباحث الدكتور عبد الله بن سويد، فيما أدار الجلسة الدكتور محمد بن موسى.
رحلة عبر ذاكرة المكتبات الطرابلسية
استهل الباحث مختار دريرة حديثه بتسليط الضوء على مكتبة مصطفى قدري معروف، متناولًا ظروف تأسيسها، قبل أن ينتقل إلى استعراض ذكرياته عن مكتبات طرابلس القديمة، مثل المكتبة الحكومية التي تأسست عام 1917 داخل قلعة طرابلس – السراي الحمراء، حيث كانت مقتنياتها في البداية مراجع إيطالية، قبل أن تضاف إليها مخطوطات من مساجد طرابلس خلال فترة الإدارة البريطانية. وأشار إلى تعرّض المكتبة للسرقة والعبث، ونقل محتوياتها إلى مخازن مجهولة.
كما تطرّق دريرة إلى مكتبة شعبان التاجوري في سوق الترك، التي كانت تبيع كتبًا نادرة في الفقه والأدب والعلوم الشرعية، ويديرها محمد أبو جراد، وهو أحد رموز فن المألوف. ولفت إلى أن شعبان التاجوري نفسه نشر كتابًا فريدًا عن فن المألوف بعنوان “سفينة المألوف”.
كما تناول بالحديث مكتبة النجاح لصاحبها محمد بريون، التي كانت تبيع الكتب المستعملة القادمة من تونس ومصر، وأسهمت في توفير المراجع لطلبة الدراسات العليا، لا سيّما كتاب “الإشارات في معرفة مزارات طرابلس” لعبد السلام التاجوري،وفي سياق استعراضه لمكتبة محمد شرف الدين، أوضح دريرة أنها كانت تُعرف بـالمكتبة الطرابلسية، وكانت تقدم مجموعة واسعة من الكتب، بما فيها مصاحف برواية قالون المستوردة من تونس.
أما مكتبة الأوقاف، فقد وصفها دريرة بأنها من أقدم المكتبات في طرابلس، حيث تأسست عام 1898 خلال الفترة العثمانية الثانية، وكان مقرها الأصلي في مدرسة الكاتب بباب البحر، قبل أن تُنقل لاحقًا إلى ميدان الشهداء، ثم إلى باب الحرية عام 1978. وذكر أن المكتبة ضمّت مجموعة نادرة من المخطوطات والكتب العربية والإيطالية، وكان يشرف عليها مثقفون بارزون مثل صالح وجدي ومحمد أبو ثنينة.
توثيق المخزون المعرفي لمكتبات طرابلس
من جانبها، ركزت الباحثة أسماء الأسطى على أرشيف المكتبات الليبية، مشيرة إلى أن مكتبة الأوقاف قد تكون الأقدم، إلا أن مكتبة مصطفى قدري معروف تميّزت بالثراء والاستمرارية. وأوضحت أن المكتبة كانت تحمل اسم “المكتبة الحكومية” عند تأسيسها في عهد الاحتلال الإيطالي، وكان أول أمين لها متخصصًا إيطاليًا يُدعى جوزيبي بيستراتي.
واستعرضت الأسطى تجربتها الشخصية في البحث داخل أرشيف المكتبة الحكومية بشارع ميزران، حيث عثرت على وثائق هامة، من بينها ملفات لموظفين سابقين مثل خليفة محمد التليسي، الذي كان قارئًا نهمًا للأدب الإيطالي قبل أن يتجه إلى الترجمة. كما كشفت عن سجلات استعارة الكتب التي تضمّنت أسماء بارزة مثل علي صادق الحسنين، أحمد صدق الدجاني، علي محمود سليمان وغيرهم.
كما أشارت إلى أن المكتبة شهدت تقلبات إدارية، حيث انتقلت تبعيتها بين جهات مختلفة مثل الجهاد العسكري، وزارة التعليم، وزارة السياحة، ما أثر على استقرار إدارتها. ولفتت إلى أن أحد أبرز أمنائها كان بشير البدري، الذي حافظ على تراثها رغم هذه التحديات.
مكانة المكتبات العامة
في المقابل أكد الدكتور الباحث عبد الله بن سويد أن المكتبات ليست مجرد مستودعات للكتب، بل هي مؤسسات ثقافية حيوية تعكس تطور المجتمع ومستوى تقدمه الحضاري. في مداخلة ثرية للباحث الدكتور عبد الله بن سويد، استعرض أهمية المكتبات العامة باعتبارها أداة لتنمية الثقافة، حيث إنها تحفظ تراث الأمة وتوفر بيئة ملائمة للبحث والمعرفة.
موضحا بأن المكتبات العامة تضم مجموعة متنوعة من المواد، بدءًا من الكتب المطبوعة والمخطوطات، وصولًا إلى الصحف والتسجيلات والخرائط وقواعد البيانات، مما يجعلها محورًا رئيسيًا للأبحاث العلمية. كما أشار إلى أن هذه المكتبات لا تقتصر على إتاحة مصادر المعرفة فحسب، بل تسهم أيضًا في تشكيل وعي المجتمع عبر تقديم محتوى متنوع بلا قيود، مما يجعلها فضاءً ديمقراطيًا يتيح الوصول الحر إلى المعرفة.
كذلك تناول الدكتور بن سويد تطور المكتبات عبر التاريخ، مستشهدًا بمكتبة الإسكندرية كمثال على دور المكتبة في احتضان العلوم والفكر، وكذلك مكتبة بيت الحكمة في العصر العباسي، التي كانت مركزًا لنقل المعرفة وترجمتها. كما أشار إلى أهمية المكتبات الوقفية التي ساهمت في حفظ الإرث الثقافي الإسلامي.
ولم يغفل عن ذكر دور المكتبات في خدمة الفئات الخاصة، حيث أشار إلى ضرورة توفير الكتب المطبوعة بأحرف بارزة للمكفوفين، مما يعكس حرص المكتبات على توفير المعرفة للجميع دون استثناء، وفي ختام مداخلته، تحدث الدكتور عن ذكرياته مع المكتبات، وخصوصًا تأثيرها في مسيرته البحثية، مشيدًا بالدور الذي لعبته بعض المكتبات العربية، مثل مكتبة المسجد النبوي ودار الكتب المصرية، في إثراء معرفته وتوسيع آفاقه.

