المقالة

جهل أم تجاهل؟

صحافة.
صحافة.

الرواد، الثقافة العربية، الفصول الأربعة، تراث الشعب، الحكمة، البحوث التاريخية، الجليس، المسرح والخيالة، شهرزاد، السؤال، فضاءات، شعريات، تحرير الكتابة، سرد، شؤون ثقافية، عراجين، أركنو، رؤى ، ثقافة، هذا إذا لم نضف حولية مجمع اللغة العربية ولم نصر على إضافة المؤتمر والملتقى ومجلة (لا) أو الملاحق والملفات والصفحات الثقافية بعديد الصحف والمجلات غير المتخصصة في الشأن الثقافي، ودون إن نغفل عما سقط من شباك الذاكرة فلم يذكر في هذا السرد لمطبوعاتنا الثقافية التي صدرت في ليبيا على مدى عقود مديدة سالفة، والذين يذكرون المطبوعات الواردة هنا يعرفون جيداً مدى التنوع في اهتماماتها وموادها، ومدى العمق والشمول والجدية التي وسمت تلك المواد، مثلما يذكر أيضاً أنها كانت منابر تسنمها عديد من كبار المثقفين والمفكرين والعلماء والفلاسفة والأدباء العرب إلى جانب كتابها الليبيين، وذلك بالرغم من الظروف الاستنائية الخانقة التي أحاطت بالثقافة والمثقفين في ليبيا على امتداد أكثر من أربعين عاما، جسد فيها القسر والقمع ومحاولات الترويض والتدجين لكل نزوع ابداعي ( خصوصاً  في مجالات الفكر والأدب والفن ) أسوأ ما عرفه العالم الحديث من نماذج القمع تلك فمن نازية غوبلز إلى دوغمائية ستالين وماو تسي تونج إلى عنصرية وتعصب جوزيف ماكارثي، خليط كابوسي شائه من النزوعات الاستحواذية التسلطية يرفده توجُهٓ عدمي ظلامي ران على البلد وأهله.

وطبيعي أن يأسى المرء لخلو المكتبات العامة في ليبيا مثل مكتبة مجمع اللغة العربية ودار الكتب الوطنية  ومكتبة مركز الدراسات التاريخية ومكتبة مصطفى قدري، إضافة إلى مكتبات الكليات الجامعية، من نسخ رقمية لتلك المطبوعات القيمة الحاوية لجهود مبدعيناً في ظل ذلك الواقع المحبط والمثبط والكاتم لكل نفس ابداعي وهي جهود ” إذا ما كنا منصفين ” بطولية بالتأكيد، ومع ذلك فلا ينبغي للأسى أن يغيّب عنا السؤال عن الأسباب الكامنة وراء ذلك التقصير وما يجيء عنه من رسوفنا كمجتمع في مستنقعات التخلف والجهل بالذات وحدود  فقرها وثراءها وتجاهل الآخرين بنا، وهي عديدة ومتشعبة لا يستوي أن نختزلها في تقصير المسؤولين مسؤولية مباشرة عن تلك المرافق ( وإن لم يخل الأمر من ذلك كلياً )، ومع ذلك فالمسؤولية توميء مباشرة إلى مسؤولين أفراداً يتبوأون مناصب سياسية وإدارية وفنية ذات علاقة مباشرة وإلى مؤسسات وهيئات يفترض أنها المسؤولة قانونيا ” والأهم ” أخلاقياً عن الشأن الثقافي في عمومه وفي تفرعاته وأدق تخصصاته.

ومع أن شيئاً لا يبرر ذلك التقصير، فليس من اللائق أن نستدعي ممارسات دهور الظلام لنفسر ما تعانيه الثقافة والمثقف في بلادنا اليوم، فلا يبدو أننا سنحظى بإجابات لما يمضّنا من أسئلة وقد نُقسَرَ في بحثنا عن التفسير المقنع على النكوص مكرهين إلى تلك الدهور لنعلن بصراحة أننا ما نزال نرسف في مستنقعات التخلف وتهافت منظومات المبادئ والقيم السامية التي تعارفنا عليها فيما بيننا وعُرِفنا بها لدى الآخرين، ونتخبط في اسر انحيازاتنا المتدنية (أتردد في قول الدنيئة) العنصرية والجهوية والايديولوجية، والتي اختزلتنا من ذوات إنسانية رحبة الآفاق والصدور إلى (أنوات) قميئة، فردية أو متورمة كامدة الآفاق خانقة ومختنقة بأيديها، منطلق كل منها ومرجعه النهائي المبدأ الإبليسي المقيت (أنا خير منه….).

طبعاً لا يليق أن نتجاهل الظروف الراهنة التي نمر بها جميعا في كل جوانب حياتنا، والتي نرجو أن تكون هي التفسير والتبرير معاً لما نحن بصدده.

ومع ذلك فالملاحظ أن ما قيل هنا من احتمال أن مؤسساتنا وهيئاتنا الرسمية ” ومسؤوليها ضمنا بالطبع ” لم تتحرر من الارث الثقيل، ولمّا تزل المحاباة والواسطة والتهميش والتجاهل وتغول النزوعات الاستحواذية التسلطية التي زرعها المتطفلون على الشأن الثقافي في بلادنا المتكئون على انتماءهم إلى ما عرف باللجان الثورية، التي لم تكن في حقيقتها غير عصابات من الموتورين والحاقدين على كل محبو بتميز ابداعي في أي مجال من مجالات الحياة ( حتى كرة القدم ) التي  لم يسلم لاعبوها من أذاهم فاختزلت أسماؤهم في أرقام، حتى لقد انفصمت علاقة صفة ( الثورية ) التي انتحلتها تلك العصابات بكل المعاني السامية للثورة وثقافتها وأخلاقياتها  وتطابقت مع دلالات ( التورية والمواربة والتمويه  ) ووأد الحقيقة واغتيال الحق.

الملاحظ أقول إن ذلك الاحتمال قد ينسحب على موقف الآخر منا، ويفسر ما تلقاه ثقافتنا من تجاهل وتهميش ( ولا أبالغ ) من جهل، ولعلي أكتفي هنا بما دعاني إلى هذا التطرق، فقد صادف أن كنت أبحث على شبكة المعلومات عما يمكنني الاطلاع عليه من مطبوعات تحوي ولابد مواداً جديدة لم أطلع عليها، وقد كتبت في محرك البحث جملة ( أرشيف المجلات الثقافية العربية ) لينتهي بي البحث إلى اكتشاف محبط، ففي بعض المواقع لم أجد ذكراً لمطبوعة ثقافية ليبية واحدة في حين طالعتني المواقع التي طرقتها وجلت في صفحاتها ” وكانت خمس مواقع بالتحديد ” بأحد أعداد ( مجلة الناشر العربي ) معتبرة إياها٫ مجلة ليبية، وفي ذلك ما فيه من الخطأ الذي لا يمكن تبريره لمواقع يفترض بها الرصانة والدقة، ولا يقبل منها أن تتجاهل ولا أن تجهل ما صدر في ليبيا من مجلات ثقافية ” ذكر بعضها في سياق مقالنا هذا ”  وأن تنشر عددا وحيداً من مجلة الناشر العربي كمجلة ثقافية ليبية، وذلك لمجرد أن عددها المنشور في تلك المواقع قد صدر تحت إشراف المرحوم الدكتور خليفة التليسي في أثناء الفترة التي كان يتسنم فيها أمانة اتحاد الناشرين العرب .

فهل هو جهل بنا مبتلً به الآخر بما في ذلك اخوتنا العرب، أم هو تجاهل منهم لنا، أم أننا نحن من يجهل ثراءنا الثقافي ويقصر في حقه، رغماً عن أنه الأمل الباقي لنا والنافذة المشرعة على مانحن في حاجة إليه فعلاً من رؤىً وأفكار وتطلعات وأحلام تجاوز كل ابتذال ورداءة المتاح والمتداول، فلنول الثقافة والمثقف ما يتوجب لهما من اهتمام، ولنصغ لهما إذا ما كنا جادين فعلا في البحث عن مخرج مما نرسف فيه، أو على الأقل من أجل ألّا نَجهَلٓ أو نُجهٓل.

مقالات ذات علاقة

عشرون سنة من العمل المضني…

المشرف العام

في ذكرى رحيل شاعر الشباب/ علي صدقي عبدالقادر

عمر علي عبود

قطرة عطر.. في بحر الشعر

أسماء الأسطى

اترك تعليق