النقد

التوجه إلى امرأة الحلم .. شعاع القصيدة

قراءة في شعرية الشاعر الليبي السنوسي حبيب

الذكرى الـ12 لرحيل الشاعر الليبي السنوسي حبيب

الشاعر السنوسي حبيب
الشاعر السنوسي حبيب

تنبني أبجدية النص الشعري على أساس مكونات اللغة بثرائها وكنوزها؛ بأنساقها ودلالاتها التي يمتلكها الباث لتحقيق صبغة الأدب ، وتعزيز مكانة الفحوى لأنَّ الأدب كما يشير “باختين” “هو اللغة في كليتها” وأنَّ من عِداد المستحيل فهم طبيعة الشعر الخاصة ” إذا تجاهل المرء آليته وبنيته الداخلية .. ولا تتكشّف هذه الآلية إلا حينما تدخل في صراع مع الضبط الذاتي للغة ” على حد قول ” لوتمان “. فبغير اللغة لا يتحقق فعل الأدب ، ولا تتبارى مناحيه الرؤيوية لتحكي العالم ، وتقص ماهيات الوجود . كما لا يكون بمقدور الباث امتلاك صولجان الإقناع ولفت انتباه المتلقي . فالنص الشعري رسالة ، وهو تعبير ؛ واللغة مهما كانت وسيلة فهي حاملة المؤثر ، وباعثة بروق الخلق . والباث وإن بدا شاعراً وقدّم رؤيةً ؛ والنص وإن ظهر معروضاً وتجسَّدَ فحوى فإنهما بغير اللغة _ ونقصد هنا ثراء اللغة _ يعرضان الهشاشة والارتباك والحل الناقص والمبتور لمهمة إدراك الحقائق .

ولقد نحا الشعراء صوب آفاق تترجم أفكارهم عبر اللغة وطرائق توظيفها . فمنهم مَن رأى اللغة تشكيلاً مرناً ومطواعاً ؛ لها يسرُها وبساطتُها فتوجّه صوب استخدامها استخداماً رهيفاًَ سلساً ، يفوح عطر أعماقها بطراوة عذبة ؛ حتى بات القراء المتلقون يُطلقون على هذا النمط من الشعر ” السهل الممتنع ” ، بينما ارتأى شعراء آخرون مدفوعين برؤية اللغة تخطو على صرامة الأنساق وحفاوة الرفل . فهي _ أي اللغة _ منجم معرفي ينبغي الأخذ بمفرداتها المشعّة لصنع عقد يليق بحفاوة القيمة ويكرّس أهمية وجود لا ينبغي النظر إليه على أنّه سهل يستطيع كل مَن بزغ في سمائه نجم موهبة آفلة التعامل معه وتوظيفه حسب ما يهوى ؛ لأنَّ اللغة في هكذا مآل ترتد عليه بانكفائها وجحودها فلا تترك له سوى خواء التراكيب .

وقراءتنا لشعر السنوسي حبيب تجعلنا ننحاز لكفة احتساب شعره من باب السهل الممتنع حيث تشعرك فضاءات جهده الأدبي في مجاميعه الثلاث ( تحت يدي ) بتكسر قيود التراكيب ، إذْ اللغة تمنحك جيش من أنسام الانشراح تفتح به ممالك الروح فتدخل منعطفات البوح . والبوح أغلبه يجيء تأملاً . يأتي بريشة ترسم لوحةً ؛ فعديدها يمسك المتلقي وهو يلج النصوص فيدخله عوالم ناجزة بهيئة بورتريهات تزينها ورود الشغف ويعطرها انفتاح مبهج لحظة توقف النظر وتصالب المخيلة على الماثل .. والتأمل يتوجه لحبيبة مُفتَرضة اسمها البهجة : مصطلح هُلامي – وجود رغوي لا شكل له _ يحتاج لتمثُّل ويسعى لانبلاج ؛ لأنّه يغور إلى سبرٍ وجهد لوصول ، ثم مثابرة على نَيل ، فالشاعر يبقى وحيداً وسط حومة الانتظار . يحُدٌّق في الفراغ وينده في برية التطلّع لعلها تجيء . فتارةً يرى فيها الحديقة القادمة بمشهد الورود والكروم وانشداد لرؤية صبايا _ شفرة الحبور _ صورة الفرح فيتجلى مشهد الحبيبة / البهجة مئذنةً لناسكٍ تقي ، ومدينةً لفرد ضائع ، وحلماً لفاقد الأحلام والرؤى :

 إلى مَ تظلينَ جُرحاً .. / وأبقى وحيداً أحدق وسط الفراغ / وتنخر قلبي الكآبة .. / وتبقين خلف الفراغ .. وخلف الضباب / وخلف المرايا / حدائق تنبض بالدفء بالحب فيها السواقي / وتعبث تحتَ الكروم وفوق الحشائش / صبايا تنوّر كالفل ضحكاتها / وتشرد بين العرائش حين يراها / غريبٌ تجيء به الدرب رغم اتساع المسافة / وتبقين أنت حضوراً عظيماً / يؤجج كالشمس في الأعرق الرغبات الدفينة / وكالحب حين تشع به أعين عاشقة / تظلّين حلماً ، ومئذنة ، ومدينة (من مجموعة عن الحب والصحو والتجاوز ص36)

في نص يأتي حاملاً عنوان ” توقّع ” ينشطر لديه النداء ، يتوجّه لمخلوقية كونية باستهلال يتماس ودلالة العنوان .. ” تعالي ” مفردة يوظفها استخداماً للترجّي والتوسل ، وأمنية تحقّق المراج .

والانشطار يبعث فينا احتساب توجهه لحبيبة تعيش البعاد ، وتمارس النأي . بينه وبينها برزخ من الفراق . أو تأخذ ” تعالي ” صوب القصيدة العصيبة التي ينتظرها على دكّة الليل ساعة ارتخاء سدوله . فإنَّ النداء انصبَّ على الحبيبة يهتف بالأحلام والأماني والهمس والسحر ليكوّنا فضاء من لذاذة وغرق جميل . أمّا اذا كان الولع والانتظار لرفل القصيدة فإنَّ المفردات تأخذ مهمة الحوار مع المفردة والتناظر مع الفكرة فتغدو القصيدة فتاة لها انثناءاتها والعطفات .. ميسها والاقدام . لها رجفتها ودفقها . وقعها ونورها .. تغدو انوجاداً خلقياً يتماهى فيها الجمال بالخفّة ، والانسياب بالسحر .. يغدو الفم كلمة ، والعين فكرة ، والوجه قصيدة ، والخصر وزن ، والخطى قافية عندها تستحيل الغناء صوت القلب ونار المشاعر وبؤبؤها الشعر في حدقة الأدب في تعتّق السنين :

تعالي هو الليل أرخى سدوله فاقتربي / بي اشتعال ودمدمة وعويل / وبي لحظة من صفاء الجداول وقت السحر / تعالي هو القلب اسفنجةٌ نقّعتها المواجع / فاقتربي من حنيني / هو القلب يشعله الوجد والبوح / هذي عصافيره طفق بالمواويل / فاقتربي تسمعين الغناء الحزين / تعالي كما تشتهين / مداورةً أو متوجهةً / أو بين همسي وبوحي (مجموعة ” شظايا العمر المباح ” ص50)

وتظل رغبته في محاورة البهجة مستمرة حتى وهو ينتقل لكتابة اشتغال آخر ؛ لتدوين نص جديد سيحمل عنوانات منشطرة بهيئة تهميشات ، نقف عند ” تهميش رقم 2 ” الحبيبة فيه تتماهى بمصطلح ” البهجة ” .

ويأخذ ” كاف التشبيه ” مداه في رسم الصور الشعرية التي يطلق عليها ” باشلار ” توصيفاً على أنها ” بروزٌ مفاجىء على سطح النفس ” ، وتأتي الصورة الشعرية صورةً بملامح وإشارات تشي بعودة بحار ” عند الفجر مثقلا بالشباك ” و ” ارتعاش شفتين لحظة ارتواء ” ، وصورة ثالثة لانبثاق ” نور الفجر عقب ليلة غيوم ” و ” انزلاق دمعة رائعة الصفا على ضفاف مقلة وخد ” و ” انبلاج ضحكة خجول شابها الخفر ” .. هذا الاحتشاد الصوري يكثف لدى القارىء جملة الشفرات التي تؤول به إلى استفهامات ستقوده بعد تفكيك التراكيب وتكريس الصور إلى استباقية مشهدية تغرز رماح جذوتها في سهوب روحه فيدخل حومة التآلف مع الباث ، وستغمره غيوم البهجة في عيون مبهجته :

كعودةِ البحّار عند الفجر مثقل الشباك / وكارتعاشِ شفتين لحظة ارتواء / وكانبثاق نور الفجر عقب ليلةٍ غيوم / وكانزلاقِ دمعةٍ رائعة الصفا / على ضفاف مقلةٍ وخد / وكانبلاجِ ضحكة خجول شابها الخفر / سينمو حبُّ الصحو في عينيك / يا مبهجتي الجامحة اللعوب.

والنص منشور في مجلة الثقافة العربية بتاريخ 7/4/1974 وتجنيسه يشير إلى أنه نص تخلّى عن الوزن والقافية ونأى عن ” الشعر الحر” ، متخذاً مصطلح ” قصيدة النثر ” وهو ملمح لحالة التجديد التي تشير إلى أنَّ الأدب الليبي مارس هذا التوجّه ؛ ولا أدري إن كانت قد سُلّطَت عليه الإضاءة كإشارة تسجيلية تضع السنوسي حبيب في خانة مَن كتب قصيدة النثر في تلك السنة التي لم يكن هذا اللون من الشعر قد نزل واثقاً إلى ساحة الأدب العربي.

في ” المفازة ” يرسم الناص نصّه بالكلمات فيعرض بعداً مكانياً ؛ فيه تتعالق مبرراته وتواجداته مع آجرات الخيال التي يرصفها الناص بذائقته بناء على هندسة روحية تتموسق داخلها ذبذبة الذائقة ويتجسد المُنتج اشتغالاً انفعاليا يكرس مستوى تأثره بجدوى المكان.. إنه التمازج الخلاق بين الخيال والمكان ؛ فكلاهما متلازمان ؛ انفصال أحدهما عن الآخر يعرض مرضاً أدبياً تنتشر بين تكوناته فايروسات الفشل . والمكان الظاهر يتناغم مع الخيال الباطن لينتجا صورة نصية وإن خلت من الدقة المتناهية ؛ ” وهكذا فاننا نملأ المكان برسوم عشناها . وليس ضرورياً أن تكون هذه الرسوم دقيقة . كل المطلوب أن يكون لها نغمة حياتنا الداخلية ….. المكان يدعونا إلى الفعل ولكن قبل الفعل ينشط الخيال ، ينقّي الأرض ويحرثها .” ** (باشلار ص41)

والنص يتمشهد بصور تعطي صورة المفازة بتاثيثاتها المكانية الثابتة

” كلكلها نائخ على بساطها / وبساطها ذرتان من الرمل / في باطن   الكف هي الأرحب والأضيق / والأكبر والأصغر / والأقرب والأبعد / لا تشبه شيئاً / ويشبهها كل شيء .”ص38 .. وشخوصها المتحركة التي تكمل التأثيث وتصنع الفعل .. فثمة الجواد ووجوده المتمعن في مصلحاته:” السنابك .. الصخر .. منخريه .. الرأس الشامخ .. الرقبة القائمتان ،، وتبن الرمل” : يرمح الجواد / تصك سنابكه الصخر / تقدحان من حوله الشرر / تشعلان شوك البراري الجاف / يغشى منخريه الدخان / يشمخ على الأعلى .”ص39 .. وتأتي صورة الوعلين وهما يتصارعان بقرنين يسعيان لإثبات نظرية الصراع من اجل البقاء وتابعتها البقاء للأصلح في برية تغدو الحياة فيها صراعاً مزدوجاً بين المخلوقات أنفسها من باب ؛ ومن باب آخر صراع مع الطبيعة الضنينة البخيلة بنسُمِها ومائها وظلالها وحنوها الشحيح ” الوعلان أمام الصخرة / كل منهما ينفخ قرنيه / يرفعهما عالياً في السماء / يستديران متعاكسين / ثم متواجهين / وفجا’ تصدح القرقعة / ويقدح الشرر “.. إنها صورة بورتريت مرسومة بالكلمات حيث تدخل مفردات الطبيعة قاموس الشاعر من با[ أوسع لتشكل نسيجاً تشكيلياً تساهم في المرأة الجياشة برغبة الرومانس في ترجمة فحوى الرؤية إذْ المتلقي يعوم على مد كلماتي موحي لا أثر للظاهرة البشرية إلا ( نون ) الجمع و ( قلبي وقلبك ) لمعة وبريق في أيقونة الطبيعة ببهرجتها المتناغمة على ثرى التوصيفات الباعثة أو الراهزة أو الراسمة باتزان سير هارموني يتآلف فيه الصوت الناشد مع الإفضاء الراعف ، مع حركة الخفق التي تعتري الأشياء ؛؛ والصباح / الغابة / السهل / الضحكات / أذرع السحب / مرح الشباب / السرو السامق / تمازج الألوان / الزعتر / الغناء / الرغَد .. كل هذه وتلك تأثيثات لسيمولوجية المشهد وشيفرات حاجة النفس في حوارها الأزلي مع الاشياء واتجاه تآلفها مع الموسيقى الخفية الهادرة أو التي تبعث جذوتها من أعمق رقعة في يباب القلب بغية تحقيق حلم اللقاء ، فتلتجىء الكف إلى الكف ، ويتعانق الظل في حومة الشوق مع الظل . والمقتربان حبيبان يلتقيان على نداء الود المتراغي والحميمية الدفينة :

كل شيء كان يحتفل / الغابة الصغيرة بسروها السامق / والسهل بزعتره الغض / يغمر فوحه المكان / نقر درابك / رقص وغناء / مرح الشباب وبهجة الطبيعة البكر / تمازج الألوان في شكل أخّاذ / اذرع السحب تمتد نحو الشمس / شموسنا الصغيرة تنشر دفئها الحنون / نقر الدرابك والضحكات / يناغمان إيقاع الرعد / ومض البرق والتماع الابتسامات / قلبي وقلبك يوحّدان خفقهما مع نقرات المطر / ظلي يعانق ظلّك / ويدي التجأت ليدك (ص35 نص “رومنتيكيات”)

الشاعر .. البيئة

ثمّة التلاقي .. ثمة الانوجاد ؛ والعين لا تجمع في حضنها ما لم تبصره . وإذا أبصرت نقلت فأعطت للصورة حقّها وجهّزت العاطفة بما تستحق من إثارة .. أمّا الشاعر فهو وليد بيئته مُساق بمشيئة الماحول . فيكون أكثر صدقاً من عاش ورأى ؛ عمل وارتأى ؛ فعل وصنع . والصورة الشعرية تتعالى والانبهار عندما تأتي رافلة على أديم واقع حي جسده الرائي بما أبصر . عندها يسترق السرد اللحظة ليدفع الشاعر تحت عطر الغواية إلى ارتداء غيمته والاستحمام بثناياه ، فنرى إلى النص تكويناً سردياً تمتطيه الحاجة ويغريه النجاح .. يتمتع القارىء بالمطالعة ، ويستريح الشاعر على أريكة حسن الفعل والاستخدام … ونص ” العاصفة ” لم يكن ليصبح نصّاً ناجحاً _ كما أراه _ لولا تسلل السرد متلفعاً عباءة الوصف ليكمل اللوحة المبتغاة ، سيما وانبرى الاستهلال معتمداً التشبيه بالكاف الصادمة ؛ حيث العاصفة بهبوبها الأهوج وقدومها المجنون تشبه | ذئاب جريحة تعوي ” في بيئة صحراوية تأثيثاتها المكانية النخيل والرمال والآبار والنبات الشوكي والجمال ؛ إلى جانب تأثيثات تأتي بها أكف الصحراء : عواء / فزع / ضرب / زمجرة / ولولة / صخب / عربدة / غربان / اصطفاق أجنحة / فرقعة سياط . والشاعر ابن البيئة ؛ سليل الصحراء . تقارعه العواصف من بعيد ، ويجاهر زمهرير الصحراء بقدومه بنذير مصغَّر ليوم الحشر الكبير :

 كذئاب جريحة تعوي منذ الصباح / صافعة الوجوه بسياط الرمل / مجرحة الآذان / ومحرقة العيون / دافعة أمامها كا ما تطال / جذوع النخيل وأرومات الأشجار .. / مولولةً ومعربدة / طامّة الآبار وقنوات المياه / محوّلةً الحقل اليانع إلى قاع صفصف لا .. لا حدَّ لصخبها / ولا رادع لعربدتها / شواط من زمهرير الصحراء / يزحم الأفق ويسد المدى / لاطماً قبّة السماء / بأمواجه السخامية (ص57 من نص “العاصفة”).

في ” أغنية الفراغ ” تأتي التضادات تعرض صورتين تنضحان حالة تكشف اللااستقرار في الأعماق . أليس العنوان مركّباً من مفردتين متناقضتين . الأولى تتمثل مرموزاً للنفس السائحى على تخوم البهجة ، المنشرحة التي يصح عليها القول ” اذا طابت النفوس غنَّت ” . إذْ الاغنية ايقاع راقص لميس النفس وفضاء يملؤه السرور ، بينما المفردة الثانية المتممّة للعنوان توحي بالخواء واللاجدوى .. أليس ” الفراغ ” خنجراً يطعن قلب الاغنية فيطيح بكرنفالات الروح .. أليس الفاكهة اليانعة نقيض ” الرمل ” الشاحب ؛ والسنابل لا تلتقي وحضن الرماد :

فاكهةٌ من رمل / كرنفال من رماد السجائر / هرمٌ من رغوة الصابون المعطَّر / تلك هي أغنية الفراغ الكئيبة …. قطافٌ من كرمة الانسياب الغبارية / سنابلٌ من حقل السنوات الرماد / شرابٌ من ماءٍ ماجنٍ آسن / ذاك هو التماسك الرخو كصفار بيضة نيئة …. غمامةٌ من أنين مكبوت / مواء قطّةٍ في ليلة شتائية كئيبة / نضحُ ماءٍ بطيء عبر ثقبٍ صغير / ذاك هو تفتت الصخرة الدؤوب (ص27 شظايا العمر المباح).

وفي رحيله الدؤوب والمتواصل في بيداء الشعر وتضاريس الأدب وطبيعة الحياة يجد الشاعر نفسه مُجرجراً إلى الايقاع والقافية والبيت التقليدي ، مأخوذاً له وبه ، يفكّكها لتأخذذ بنية الشعر الحر . يمنحه مقطعاً ختامياً لنص شملته المقاطع العديدة ، واستولت عليه نغمة النثر :

للعينِ فسحتها . / وللقلب انشطاره . / متوشحاً ببهائه ألقى عذاره . / ورمى بخائنة العيون رمى دثاره . / لم يألُ جهداً في تبرّجه / إذْ اكتمل استداره / ألقى ثقاب العمر / في شوك المفازةِ واستثاره (ص44 نص “المفازة”).

إنَّ المجاميع الشعرية الثلاث التي خرجت من تحت يد السنوسي حبيب تؤرخ لمضماره الأدبي وسنوات جهاده الشعري خلاصة مكثفة لعمر شهد التقلبات والتحولات الأدبية والثقافية والاجتماعية استطاع أن يلم بفحوى هذه التقلبات فيسير مع الحداثوي فيه ويتجاوز التقليدي المألوف منه . لذا جاءت نصوصه عاكسة للحقب التحولية الأدبية ؛ يستطيع الدارس من خلالها معرفة فصول الحياة اليومية وتماس الفرد مع الأشياء المحيطة التي تؤثث لليومي وجوده وللإنسان فحواه .

مقالات ذات علاقة

الرواية الليبية .. تبلورت سريعاً رغم ظهورها المتأخر

المشرف العام

القصة الليبية أي بداية ؟!

سالم العبار

الاغتراب في حكايات من البر الانكليزي.. للقاص جمعة بوكليب

أمينة هدريز

2 تعليقات

زيد الشهيد 1 أبريل, 2025 at 09:13

تحية لموقع بلد الطيوب، ولمدير الموقع الصديق الاعلامي والشاعر رامز النويصري وهو يستذكر الشاعر الباهر والمبهر المناضل السنوسي حبيب في ذكرى رحيله الثانية عشرة… لقد كنت كلما شعرت بالحنين للشعر ذهبت إلى السنوسي حبيب في دكانه الطارف في مدينته هون حيث قضى يبيع المقرمشات والمعجنات والمشروبات الغازية، وظني أنّه اتخذ مك دكانه مسرى لصرف الوقت. أما وقته الحقيقي فكرسه للشعر الذي أحبه وعاش في غمار صوره ورؤاه، متأملاً، باحثاً في كل ما يسعى اليه في وصف الجمال، والتعامل مع الفضاءات الفسيحة التي تنده عليه ليقولها شعراً، ويعبر عنها روحاً…. كنا ندخل الاحاديث الادبية وهو في محاولة ترتيب بضاعته على الرفوف.. لا أنفي أنني اكتشفت أنه كان قلقاً رغم الابتسامة التي دائماً ما يرسمها وهو يتكلم… أذكر أنني اخبرته عن قراءتي لبعض من أشعاره. ووردت جملة لي استعنت معها باقتباس لغاستون باشلار، يقول فيها:” إن الطحانين، وهم لصوص الريح،يصنعون دقيقاً جيداً من العواطف”.. وقتها ضحك، وراح يقهقه وهو يقول: استاذ زيد، أنت عراقي، وما استعرت من باشلار هو الجمال بعينه. وانت تعرف أن الطحاين بمفهومك العراقي الرجال الذي يطحنون الحنطة والشعير ليصنعوا منه دقيقاً. لكن كلمة الطحانين عندنا في اللهجة الليبية كلمة غير محببة .واوضح لي معناها، وقال أتمنى ان تستبدلها.”.. وقتها ضحكت كثيراً.. فكثير من المفردات تتفاوت معانيها من بلد لبلد… فقد ذكرت مرة وانا أتحدث مع اصدقائي في واحة زلة التي كنت اعمل مدرساً لمادة اللغة الانكليزية في مدرستها الثانوية عن الزينة الذهبية في العراق وذكرت كلمة(تراجي) التي تعني عندنا باللهجة العراقية ( الاقراط) التي تحلي الاذن. فاعلمني الاصدقاء ان لها معنى مغاير في اللهجة الليبية، وراح يشرحوننها لي.
ولقد وصل لمسمعي بعد عودتي الى العراق رحيل السنوسي حبيب. فرثيته مع نفسي واستعدت اوقات لقاءاتي معه شاعراً مجيداً وانساناً خلوقاً… رحمك الله ايها الصديق الذي لاقى العذاب لكنه بقي صامداً يستمد من ثقافته صمود الواثقين من انفسهم، الصادقين مع الناس.

رد
المشرف العام 1 أبريل, 2025 at 09:31

الشكر موصول لك أديبنا وكاتبنا
وشكرا لك هذه اللفتة الكريمة منكم
وهو لا يستغرب من أصيل

رد

اترك تعليق