المقالة

مقدمة كتاب دراسة منفصل ومتصل السرد والتصوير الفني في الرواية

كتاب (دراسة منفصل ومتصل السرد والتصوير الفني في الرواية.. دراسة لنماذج من الرواية التونسية) للكاتب والناقد الليبي عبدالحكيم المالكي

عانى النقد الأدبي في شقه السردي من ارتهانه – غالبا – لنظريات قادمة من علوم أخرى مجاورة للسرد كاللسانيات، والتداولية، والتلفظية، والعلم المعرفي، وغيرها من المداخل المعروفة عند المشتغلين بهذه العلوم، وهذه النظريات على وجاهتها العلمية؛ تظل محدودة الأثر باستثناء الجانب الذاتي، أو موضوع الرؤية في الخطاب الروائي التي لازالت تتطور؛ وذلك لعدم إنجاز مشروع نظري متكامل حولها ينطلق من إمكانيات السرد الخفية ومن إيقاعاته غير الظاهرة بشكل مباشر.

 انطلاقا من الشعور بما يحف هذه النظريات من عمومية، وعدم قدرتها على خلخلة النص والبحث ضمنه عن إمكانياته الخفية؛ فإننا نحاول أن نجد مدخلاً إجرائياً جديداً ينطلق من السرد رواية كان أو قصة، لنستطيع أن ندرك أكثر بنى وجماليات النص السردي ودلالاته الخفية.

من هذه الزاوية أحاول في هذه الدراسة أن أضيف مدخلا لدراسة السرد: قصة أو رواية، من خلال الربط بين جانبين متعلقين ببعضهما البعض، ولم يتم – في تصوري- التعامل معهما بشكل مشترك ينطلق من السرد نفسه، وهما: منفصل ومتصل السرد الروائي من جهة، وجانب التصوير الفني في شقيه الوصفي والسردي من جهة أخرى.

انطلقت في هذا الكتاب من المفاهيم السابقة لمحاولة عمل تحليل يربط بين الوصل والفصل والتصوير الفني من جهة، مع الأبعاد النصية، والحكائية، والخطابية، للروايات مادة البحث من جهة أخرى، وهو تحليل ينحو إلى أن يكون تحليلا استنباطيا، من خلال نموذج محدد مكون من مجموعة عناصر، تم توضيحه في الفصل الثاني، مع محاولة تطبيقه على مجموعة من النصوص الروائية التونسية التي نعتقد من خلال دراستنا أنها تتسق معه، وقد تمكننا بحكم بعدها الفصلي والوصلي من تحقيق وعيا أكبر بأبعاد النصوص الروائية مادة البحث، ودراسة مدى جدوى تطبيق النموذج الجديد.

هذا التحليل لهذه النصوص ليس مجرد تحليل داخلي للنصوص؛ ولكنه تحليل ينحو لتجربة نموذج مكون من عدة عناصر على مجموعة من الروايات في مستويات مختلفة نصية وحكائية وخطابية، نموذج نتصور أن للشخصية الروائية البعد المركزي فيه، مع اقتراح مفاهيم جديدة مثل: الصورة الأساس، وحدّا الوصل والفصل.

حاولنا أيضا أن تكون الدراسة ديناميكية تحاول ان تربط بين مستويات تحقق النص سابقة الذكر مع البعد الفصلي والوصلي ومع التصوير الفني وصفيا ثابتا كان، أو وصفيا وسرديا متحركا.

وقد تناولت الدراسة مجموعة من الروايات التونسية؛ حيث لاحظنا في هذه المجموعة المختارة ما يمكن أن يحقق الإغناء للنموذج بحكم كونها محتوية على هذه الظاهرة الفنية في بنائها.

اشتغلنا على رواية الأزهر بن الحبيب الصحراوي (وجهان لجثة واحدة) التي نعتقد أن هناك علاقة مميزة بين بعدها النصي في جانب العنوان، وبين صورة تبدو أقرب للدعوى النصية مرتبطة بهذا العنوان، ونجد ما يدفعنا للاعتقاد بأنهما مرتبطان مع بنية الأحداث التي عاشتها الشخصية المركزية والتي سببت تحولها فصليا، مع حضور تصوير فني وصفي خالص ووصفي مختلط بالسردي.

https://tieob.com/?p=83564

كما اشتغلنا على رواية محمد جابلي (مرافئ الجليد) التي نعتقد أن هناك علاقة مميزة بين صورة الغلاف وبين بنية الصراع فيها؛ هذا الصراع يتأسس من خلال شخصيات ممثلة لبنى سياسية كبرى، وهي تعيش تدافعها وتحولاتها.

أيضا اشتغلنا على رواية (مخلاة السراب) لنور الدين العلوي وهي رواية مميزة برصد التحولات الحاصلة على المجتمع التونسي المنتجة لظاهرة الفصل والوصل؛ وهو فصل ووصل يحدث بين شخصيات تنتمي لعائلة واحدة، كما نلحظ أن الرواية قد تميزت بحضور تصوير فني مناسب واشتغال أساليب انشائية جيدة مناسبة للحظة السردية.

اشتغلنا أيضا على رواية (محاكمة كلب) لعبدالجبار العش التي نجد فيها حالة الوصل والفصل الفنية منذ بدايتها، ثم تبدأ الخلفيات الداعية لحدوث ذلك الفصل لتلك الشخصية في التساقط أمام القارئ، ليصبح تحولها من حالتها الإنسية إلى الحالة الكلبية منطقيا وممكنا. الرواية تبدو مميزة بحضور كثيف للصور الحواسية الثابتة والمتحركة، وهي غالبا صورا حواسية غير بصرية.

الرواية الخامسة كانت رواية مجدي بن عيسى (الدُوار) التي نجد الغرائبي قد وظف فيها لغرض جعل السرد مميزا، وكان أن تم فيها البدء بحالة وصل تحولت إلى فصل يتحرك من خلاله الطيف هنا وهناك، راصدا التحولات الحاصلة على المجتمع الثقافي الذي يتناوله الروائي في روايته. الرواية السادسة التي اشتغلنا عليها لآمال النخيلي بعنوان (ترانيم البردي القديمة) وهي رواية تميزت بحضور وصل بين نصين بينهما مدة تاريخية كبيرة عن طريق شخصيات تعيش في المكان نفسه، وتبدو متشابهة في أفكارها ورؤاها. كان الفصل في هذه الرواية داخليا من خلال انهماك كل ذات من الذوات الرئيسية للشخصيات داخليا على نفسها، وهو ما جعل خطابها الداخلي أداة تقنية مميزة للكاتبة لكي تعبر عن وعيها امامنا وهي تتظاهر بحديثها لنفسها.

ضمنّا الكتاب قسما نظريا مكونا من فصلين؛ الفصل الأول وضعنا فيه بعض التصورات النظرية للسرديات وهي تصورات ننطلق من بعضها في هذا الكتاب، بينما كان الفصل الثاني مخصصا لتصورنا للأداة الإجرائية الجديدة المسماة بالوصل والفصل وحاولنا فيه تقديم هذا التصور ومكوناته التحليلية وحدوده وعلاقته بالتصوير الفني.

والله ولي التوفيق.

مقالات ذات علاقة

عين أخرى تنطفئ

مهدي التمامي

صوّر يا صوّار!

سعاد سالم

جميعا عند الجدار الأخير

عمر الكدي

اترك تعليق