خلال شهري ديسمبر ويناير يجتاح البلاد موجة برد قارصة يصحبها أمراض فيروسية وبكتيرية تصيب العديد والعديد من الأشخاص وخاصة الأطفال والنساء والشيوخ وما في حكمهم.
تتشابه هذه الأمراض في أعراضها بين حمي وحرارة وكحة وقيء وإسهال وغيرها من الأعراض التي تتفاوت في حدتها حسب عمر ونوع الشخص المصاب.
صالحة لم تكن استثناء – هي ربة بيت في أواخر العقد الرابع من العمر، اسم علي مسمي زوجة صالحة ترعي زوجها وأبنائها بكل عطف ومودة – أصابها فيروس ما بنزلة برد حادة تعرضت من خلالها إلي كل الأعراض المعروفة.
لم يحتمل أيوب منظر زوجته في هذه الحالة وهي تتألم وتتأوه حملها علي وجه السرعة – متكئة عليه وعلي ابنها ناصر – إلي أقرب مستشفى خاص..
الأغلب في هذا الوطن – ممن ظروفه المادية جيدة – يتوجه للعلاج في المستشفيات والمصحات الخاصة فالمستشفيات العامة في الدولة قد أصابها الإهمال والقصور، حتي ان أبسط الخدمات من ضرب الإبر أو تضميد الجراح أو الكشف البسيط، أضحت تماثل وتضاهي العمليات الكبري من عمليات القلب المفتوح والجراحات الكبري والكسور وغيرها
هذا إن وجدت.
وهذا يرجع إلي عدة أسباب معروفة للجميع لسنا هنا في مجال الحديث عنها.
وصل الجميع إلي المستشفى وأحضر ناصر كرسي العجلات ليساعد والدته في الدخول إلي قسم الطواري وهو يدفعها مسرعا
بينما وقف أيوب عند مدخل الاستقبال ليسدد قيمة الكشف ويستلم الايصال، سار حيث باب حجرة كشف الطواري ليقف مع زوجته في انتظار الدور.
لم يطل انتظارهم طويلا نصف ساعة تقريبا ودخلت صالحة إلي حجرة الكشف يدفعها الزوج بهدوء ، كانت الحجرة صغيرة الحجم مطلية باللون الأبيض مع حزام لوني من الأزرق السماوي الباهت مما يضفي عليها شيء من البساطة والهدوء أو هكذا شعر أيوب ، يتسلل ضوء الشمس الخافت من خلال نافذة مستطيلة وضع عليها ستارة بيضاء شفافة قصيرة تخلو من أي نقوش إضافية تزينها، طولها يصل إلي مستوي النافذة أو أزيد قليلا قد انزاحت مائلة جهة اليمين ، أما الأثاث فكان سريرا طبيا من المعدن ودولابا يحوي بعض الأدوية و الأجهزة الطبية صغيرة الحجم – في حالة من الفوضى وعدم الترتيب ربما – وطاولة صغيرة وضع عليها بعض الأجهزة وعلب مختلفة الأحجام والألوان تحوي بعض الادوات الطبية البسيطة من عيدان خشبية وإبر وخيوط وشاش طبي وغيرها وكانت الطاولة قريبة من طاولة الطبيبة حتي يتم سرعة المناولة والعمل ، جلست الطبيبة خلف الطاولة وفي المقابل وجد كرسيان صغيران – للمريض و المرافق – كانت طاولة رصاصية اللون – ككل لون أثاث الغرفة – وضعت يديها الاثنين علي الطاولة معقودتي الأصابع في لحظة ترقب وحضور مهيب ، مرتدية معطف شتوي من الصوف -ضيق بعض الشيء – لونه رصاصي أيضا حتي تخال للوهلة الأولي أن الطبيبة قطعة أخري من الأثاث- ربما -، غير أن رأسها قد غطي بوشاح ملون اعتمد علي اللونين الأصفر والأسود تزينه نقوش متداخلة – مما أعطي انطباعا أوليا لأيوب أنها سيدة ليس لها علاقة بالأناقة والرقي بشيء – و جعله يستبعد أنها قطعة أخري من الأثاث أما الوجه فقط غطي بكمامة طبية لونها أزرق سماوي كأغلب الكمامات المتداولة للعناصر الطبية فقط عينيها تبرزان من الوجه مزينتان بكحل خفيف.
سلم أيوب علي الطبيبة بلطف وسحب أحد الكرسيين ليجلس مواجها لها – حاول قدر الإمكان عدم النظر إلي عينيها مباشرة وخاصة في حضور زوجته – وبدا يدور بنظراته هنا وهناك، بدا كلامه متلعثما ثم استطاع أن يضبط وثيرة شعوره لتخرج الكلمات مسترسلة تشرح الحالة باختصار موجز وهو علي امل بالشفاء العاجل والتام.
تم الكشف علي صالحة وقياس النبض والصدر والوزن والطول وغيرها، أخرجت الطبيبة مجموعة من الأوراق وبدت في الكتابة والإشارة علي نموذج ما، سلمت النموذج إلي الزوج طالبة إجراء بعض التحاليل.
من خلال معرفة أيوب المسبقة لهذا المستشفى وغيره من المستشفيات الخاصة – ليس في العموم – وما أخبره بعض الأصدقاء ممن لهم تجارب سابقة أو يعملون في هذه المستشفيات
أن المريض الذي يدخل باب المستشفى، يتم سلبه من أغلب الأقسام فهذا تحليل وهذه صورة ذات نوع ما وهذا جهاز سكنر وهذه مجموعة من الأدوية.. والبعض يتمادى بطلب الإقامة لمدة 24 ساعة في حجرة العناية وتحت الملاحظة، صدقوا في هذا أو لا.. الله يعلم هذا يرجع للضمير.
استلم أيوب نموذج التحليل وظل يحدق به لبرهة – ربما يستحضر بعض الكلمات المهذبة للرد – ولكن يبدو ان المه وانفعاله دعاه للكلام بقسوة وسخرية:
نسيتي صورة الأشعة يا دكتورة والسكنر، الموضوع مش مستاهل هي بردة معروف علاجها مضاد حيوي ومسكنات وانتهينا ليش المصاريف الزايدة.
نهضت الدكتورة من مقعدها فجأة وقد وضعت يديها في وسطها تنبئ عينيها عن غضب كبير متأجج خلف الكمامة لم يكسره جمال عينيها.
وقالت في شيء من الحدة والمواجهة – أفقدها أنوثتها – وبنبرة صوت مرتفع دون مراعاة لمشاعر المريضة وزوجها الملهوف –
إذن لماذا تحضر إلي للكشف والعلاج، يمكنك الذهاب إلي أقرب صيدلية وشراء المضاد الحيوي والمسكنات، وانتهي الموضوع.