المقالة

أنـا مـدون… أنـا حــر!

 

التدوين الإلكتروني هو عالم بكل ما تعنيه هذه الكلمة من فضاء مُتسع رحب،براحهُ الكلمة الحُرة،التي يتاح فيها لصاحبها (مُرسلا ومُستقبلا) أن يطرح ما يشاء،مُطلقا العنان لأرائه وأفكاره تجاربه وأحلامه،ويبدو العالم هنا أيضا في كم الرواد والمُتابعين (المُتصفحين والمُعلقين) ونوع المواد التي تُدون،إذ تقارب اهتمام المدون(أوـة) بدءاً من سيرته،ويومياته بكل تفاصيلها الى مواضيع وقضايا السياسة، والاقتصاد،والاجتماع،الثقافة والأدب ….الخ،وإن كشفت عن خصوصية صاحبها،ونحت أحيانا الى الذاتية والأنا،لكن ذلك لا ينفي حالة انفتاحها على الآخرين،إذ بمجرد بثها على الصفحة التدوينية تُشكل علاقتها بالمتلقي الذي يحتفظ بحق الرد المُتاح بالمراسلة والتعليقات، من عدمه،وفي الجانب الصحفي والإعلامي تظهر طزاجة وحيوية وظيفة ودور المدونات،وفي الآونة الأخيرة تزايدت صفحات المُدونات العربية والعالمية التي وفرت مناخا قد يُنافس الصحيفة والمطبوعة الورقية، (وإن كانت سنيدة له في النشر فأغلب الصحف والدوريات لها مواقعها)، فهناك المقال اليومي أو الاسبوعي الذي يُعنى بموضوع أو قضية يجري تداولها (ما يكتبه المُدون أو ما ينتقيه من مُدون افتراضي أخر) وهناك إصدارات رقمية في شكل دراسة، أو بحث، أو قصص وروايات،ودواوين شعرية، وسير ذاتية …،وإن فاق الشكل الصحفي ما يصدر من نتاج ثقافي محليا وعربيا، مع الإشارة بالخصوص إلى تبني فكرة إعادة تثبت ونشر الورقي ليصبح نصا رقميا يحظى بالتداول الذي يجتاز فيه الجغرافيا المحدودة للمُنجز، (إيريك ريموند) يُعلن أن مُجتمع المُدونات المفتوح هديةٌ ثقافية، وأنه مجتمع تسوده ثقافة العطاء والمشاركة بدلا من نظام الأوامر والسلم الوظيفي،وتلك من ميزات المدونة إذ لا تكميم، ولا حذف، ولا رقابة،ولا قوانين معينة حين النشر،إلا ما يحمله صاحبها من احترام ومسؤولية تجاه ما يُدونه أو ينتقيه، وفي عالم المُدونات ما يشي بدور وتأثير على صعيد،صناعة الرأي العام، والدفاع عن القيم والأفكار ومناقشة لقضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان : رجلا،وامرأة،وطفل،على تباين مستويات الطرح والتأثير.

 مئات الآلاف من المدونات عربيا(وربما وصلت الى الملايين عالميا) تفرد مساحة مجانية بلا تكلفة للكلمة والرأي على مواقع شبكة الانترنت،ترفع شعـار :صوتك، صورتك، كلامك أنت، فمن عنوان،اسم المدونة (فالباب من عنوانه) نتكشف دلالات أنها ليست لمجرد التعبير (الفضفضة) فللمدونة رسالة تُبلغها وهدف،والتدوين خطوة أولى للتفاعل مع الأحداث ولتعدد وجهات النظر، ولطرح المشاريع والأفكار الجادة،والهموم والمواقف التي قد يدفع المُدون بجرأته وصدقه ضريبتها حين النبش في المحظور،وانتقاد لبعض الأوضاع السائدة المسكوت عنها، وهناك مثابرة وتفاني تجاه أن تكون المدونة حمالة أوجه : صفحتي هي صفحتك،والمشترك حرية الكلمة والدفاع عنها، أنا أُدون… أنا حُر.

وقد يرى البعض رأيه في ما انحزت له سابقا،في أن عائقاً هو العلاقة بالتقنية والإيمان بدورها أصلا،وكسر حاجز القبول والرهبة،والفهم المُسبق لكونها عصية،وتحتاج زمنا للتعاطي معها أليا وفكريا،لكن ذلك لن ينفي أن التقنية أضحت من الأدوات الأساسية للمعرفة (بشموليتها)، والتواصل الإنساني في هذا العصر،مهما جانبنا وتطرفنا في رأينا تجاه الدفاع عن علاقتنا بالقلم والورقة،ومن ثم الصحيفة والكتاب، خاصة وأن التدوين في الآونة الأخيرة أصبح يعني الرأي والطزاجة، واللحظة،والآن،لا سبيل لنفي ذلك،وسأعني بذلك شريحة الكُتاب والأدباء والصحفيين والاعلامين عموما اللذين تمثل لهم المدونات مساحة مفتوحة للممارسة الفاعلة،ما ينشدونه ويسجل غيابه على الصعيد العملي الوظيفي(ولن يعني ذلك استثناء أساتذة الجامعات،بل والمراحل التعليمية،والوظيفية المختلفة،فالمدونات حيز الجميع ….

وتظل المدونة في جانب كبير منها رسالة ذات خصوصية معرفية وإنسانية وسنلحظ ذلك في المدونات الخاصة بالحراك النسوي وقضاياها المتعددة ( المدونة أنثى!)،عدا الجانب الجمالي،والتوثيقي الذي يشهد فورة ملفتة فيما يعكس ذائقة ومخزونات الأفراد والمجموعات التي لن يتاح لها ذلك في فضاءات إعلامية أخرى.

28.01.2010

مقالات ذات علاقة

البساطة

نجيب الحصادي

استراحة الخميس

علي باني

المرأة الليبية وسؤال الغياب

أم العز الفارسي

اترك تعليق