النقد

حَـدِيـثٌ صَـبَـاحِـيٌّ مَـعَ الـيَـاسَـمِـيـنِ

قراءة في قصيدة صباح الخير أنا سميرة

صباح الخير أنا سميرة
صباح الخير أنا سميرة

تفتح لنا الشاعرة سميرة البوزيدي أبواب قلبها، وكأنها تدعونا للانضمام إليها في جلسة قهوة دافئة في صالون البيت، حيث تتناثر كلماتها كحبات لؤلؤ، لتروي لنا حكايات النفس وهمومها اليومية في قصيدتها “صباح الخير أنا سميرة”. العنوان، وكأنه تحية ودية، يدعونا إلى الاقتراب أكثر، لنشاركها تلك اللحظة الصباحية التي تتكشف فيها الذات على حقيقتها، بصدق وعفوية.

نص القصيدة

أكتب بعض الكلام الجيد/وأعلقه على سقف الفيس/كمعلقات نفسية/ يحبها الاخرون/ معلقات أريد أ ن أكون فيها/ بنصف حماقاتي/ وكامل أحلامي/ كي لأ أزعج روحا/تحوم قربي/لست أتذاكى./ اتفرج على الأفلام/ ربما لكي اهرب مني فيها/ أرسم ضحكات كثيرة/لاتنتمي إلى حزني/ أخدش أسطوانة صوتي/ وهو يبتلع فكرة تعسة./ أنا سميرة/ أبعث من رمادي / ضحكات أطفالي/ وكراسات ملونة/وأصايص كثيرة./ربما سأركض قليلا/ أخاف ان يزيد وزني/ولا أريد ان أبدو كطابة في منتصف الأربعين/تؤرجح أحلاما سمينة/سأتوقف هنا/لأنني لا أريد أن اكون سيئة بعد قليل.

التحليل

في هذه الجلسة الحميمية، نستمع إلى صوت سميرة، وهو يتردد بين جدران النفس، ليحكي لنا عن صراع دائم بين رغبة جامحة في التعبير عن الذات بكل ما فيها من “حماقات” وعفوية، وبين طموح يلامس سقف الأحلام. هذا الصراع، الذي نشعر وكأنه صدى لأصواتنا الداخلية، يتجسد هنا بصدق وعمق يشد انتباهنا ويجعلنا نتأمل في صراعاتنا الخاصة، وكيف تتشابك فيها الأدوار والتوقعات المجتمعية.

تتوالى حكايات اليوميات، وكأنها تتسرب من بين سطور القصيدة، لتروي لنا همومًا قد تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل في طياتها الكثير من المعاني والدلالات. ففي لجوئها إلى الأفلام “للهرب من الذات”، وفي رسمها “ضحكات لا تنتمي إلى الحزن”، نشعر وكأننا نراها تعكس آليات دفاعية نفسية شائعة، نلجأ إليها جميعًا في لحظات الضعف. وفي “خدش أسطوانة الصوت” التي تبتلع الأفكار التعسة، نجد صورة بليغة لمقاومة الأفكار السوداوية، وكأنها تحاول أن تحافظ على صفاء ذهنها وقلبها في وجه تحديات الحياة. هذه التفاصيل، التي تتجلى فيها حساسية أنثوية خاصة تجاه الجمال والترتيب، ليست لحظات عابرة، بل هي لحظات كاشفة عن جوهر النفس وعمق التجربة الأنثوية.

في هذه الجلسة الودية، تخبرنا سميرة عن مخاوفها بصراحة وعفوية، فتروي لنا كيف أن الحديث عن الخوف من زيادة الوزن و”أحلام سمينة” يكشف عن مخاوف أخرى، تلك المتعلقة بالتقدم في العمر والمظهر الجسدي، وهي مخاوف تتجاوز المفهوم السطحي للجمال، لتصل إلى أعماق الهوية والتقدير الذاتي. وكأنها تهمس لنا بأن هذا السن هو محطة للتأمل ومراجعة الذات، خاصة بالنسبة للمرأة التي قد تواجه ضغوطًا إضافية في هذا السياق.

نستمع إليها وهي تخبرنا عن تلك اللحظات التي تجد فيها نفسها في الفضاء الافتراضي للفيس بوك، وكيف أن هذا الفضاء يمنحها مساحة أكبر للتعبير عن ذاتها بحرية. ومصطلح “معلقات نفسية” يعكس رغبتها في التواصل معنا ومشاركتنا تجاربها النفسية، وكأنها تدعونا للانضمام إليها في هذا الحوار الصادق.

لكن الأهم من كل ذلك، هو ذلك الوعي الذاتي الذي يتجلى في نهاية القصيدة، عندما تقرر سميرة التوقف “لأنني لا أريد أن أكون سيئة بعد قليل”. وكأنها تهمس لنا بأن القدرة على التحكم في الذات، ورغبة النمو والتطور المستمر، هي جزء أساسي من رحلتنا الإنسانية. وكأنها تدعونا إلى أن نتصالح مع ضعفنا، وأن نؤمن بأن القوة الحقيقية تكمن في قدرتنا على مواجهة أنفسنا بصدق وعفوية.

من الناحية الفنية، نشعر وكأن القصيدة صممت خصيصًا لتناسب هذه الجلسة الودية، فهي تتميز ببنية بسيطة وسلسة، وتستخدم لغة تتراوح بين البساطة والعمق، مما يجعلها قريبة إلى قلب كل واحد منا. وكأننا نسمع إيقاع وموسيقى الكلمات وهي تتراقص في الهواء، لتخلق جوًا حميميًا يجمعنا حول هذا الحديث الصادق.

في نهاية جلستنا هذه، نشعر وكأننا لم نكن مجرد قراء، بل كنا جزءًا من حوار عميق، شاركنا فيه سميرة لحظات من حياتها، وتأملنا معها في أعماق الذات الإنسانية. هذه الكلمات ليست حروف مصفوفة، بل دعوة للانفتاح على الذات والآخر، وللتشارك في رحلة البحث عن المعنى والصدق في هذه الحياة. وكأننا، في صالون البيت هذا، نتبادل أطراف الحديث، ونتشارك لحظات الصفاء التي تجعلنا ندرك أننا لسنا وحدنا في هذا الوجود. أرى في هذه الكلمات تجسيدًا لتجربة إنسانية عميقة، ورؤية واضحة للعالم من حولنا، تجعلنا ننظر إلى أنفسنا وإلى الحياة بنظرة مختلفة. سميرة، في هذه القصيدة، لم تشاركنا يومياتها فقط، بل شاركتنا جزءًا من روحها، وجعلتنا نشعر بأننا لسنا وحدنا في هذه الرحلة الإنسانية.

الأربعاء 13/3/2025م

مقالات ذات علاقة

سردية جدارية البردي في رواية “الرسام الإنجليزي”

إنتصار بوراوي

الحيوانُ بين الرمزِ والتجسيِّدِ الواقعي في رواية (الحيوانات) للصادق النيهوم

المشرف العام

حواء القمودي.. فتاة تشاغل أسفار الحب والحرب

عبدالسلام الفقهي

اترك تعليق