وضعتني سيدتي في صدارة الحائط المقابل لكل من يدخل إلى صالة بيتها، صورة امرأة جميلة تلبس تاجاً مرصعاً بالأحجار الكريمة وتتحلى بمجوهرات ملكية، تتكئ في دلال على رجل يبدو عليه الوقار، في الخلفية بيت فارهٌ موشّى بالتحف والنفائس.
أرمق ضيوفها ومعارفها من علٍ في خيلاء، أشد انتباههم، أنتزع إعجابهم، تتيه سيدتي بكلامهم، ترتسم ابتسامة جميلة على ثغرها و تقول في زهو وكأنني أهم إنجازاتها:
– استطعت الحفاظ عليها منذ سنوات طويلة.
كنت الشاهدة على كل ما يحدث في البيت الفخم، أحياناً أضيق بالجدار، أشعر بأنه مائل وإنني على وشك السقوط لكن، أصبر وأتجلد من أجلها.
– أين قميصي الأبيض؟ أنت فعلاً امرأة مهملة!
يشتمها زوجها بأعلى صوته ويبحث عن قميص لا يريده أصلاً، تركض سيدتي بأقصى سرعتها لتوصد الأبواب والنوافذ، تسلمه القميص الموجود في مكانه المخصص دون أن ترد بكلمة واحدة على كلامه الجارح…
منذ فترة ضبطته لأول مرة بالجرم المشهود، جلب إلى البيت سمراء ممشوقة القوام، ترتدي ملابس صارخة الألوان وتضع عطراً قوي الرائحة أصابني بالغثيان، غازلها بكل وقاحة على الأريكة الموضوعة تحتي مباشرة ، غضبت عندئذ غضباً شديداً، اُصبت بشرخ في الجزء الأسفل من الإطار، لم تنتبه سيدتي للأمر إلا بعد مرور عدة أسابيع بالرغم أنها تلمعني وتقوم بصقلي كل يوم، ذُعرت لمصابي، مسَّدت الشق بحنو وكأنني طفلتها المدللة، لم تتمكن من إخفاء انزعاجها وهي تخبره بما حدث، لكنه قابل اهتمامها وضيقها باللامبالاة، غمغم وهو يتصفح إحدى الجرائد ويتمطى في كسل:
– لا تستحق كل هذا الاهتمام، ربما عليك إزالتها .
لم تأبه، أحضرت جبساً أبيض، رتقت الشق بعناية وصبر، تحايلت في طلائه بلون ذهبي أخفى أثره تماماً ثم صقلته بأحد أنواع ملمعات الأثاث الجيدة، اشترته مع مجموعة دهانات ومرممات ودستها في مخزن كبير في قبو بيتها.
قبل خروجه وضع لها مبلغاً ضخماً من المال على الطاولة كعادته كل أسبوع، وبخها على تأخر وجبة الغداء وعلى ضياع قداحته الثمينة ووو، آه، صرت أضيق بهذا المشهد المتكرر، كل مرة يتشقق جزء مني حنقاً، تقوم هي برتقه وتضميده بلا كلل.
ليلة البارحة بدأ الخوف جلياً في عيني محظيته، تلجلجت وابتلعت ريقها بصعوبة:
– جارتكم رمقتني عند دخولي، تلك البدينة تبدو سليطة اللسان و لن تسكت.
– لا عليك، لن تصدقها.
شعرت بغليان وغضب شديدين، انكسرت قطعة لا يستهان بها من مقدمة إطاري، سمعت طرقعة وقوعها على الأرض بقوة، تفتّتت قطعا صغيرة وتبعثرت هنا وهناك.. كيف لها أن ترممها هذه المرة؟
راقبتها صباح اليوم وهي تتفحص مشبك شعر غريب، كان مشبكاً مرصعاً بفصوص زجاجية زاهية الألوان تدل على ذوق رديء، وضعته جانباً وبقيت جامدة في مكانها، لم تهتز إلا حين لمحت الجزء المكسور مني، تأوهت في ألم، بكت بحرقة وهي تلملم أجزائي بأناة، قضت نصف يومها وهي تحاول لصقها في مكانها وإخفاء آثار ندوبها دون جدوى.
كان يجلس في صمت، يرنو إليها بشفقة على غير عادته، يتأمل جفنيها المتورمين، يراقب محاولتها المستميتة لتخفي الصدع، يهمس:
– لا بأس، يمكننا استبدالها بأخرى..
هزت رأسها في أسى وأناملها ترتعش متحسسة أثر النتوءات.
في المساء لم يكن في انتظاره في بيته.. سوى إطارٍ مكسور.