رمضان كرنفوده
كعادته اليومية عندما تخلد الناس الى النوم، هو بخلافهم لا يذهب إلى سريره. يتجه الى غرفة صغيرة ليست للنوم بل للقراءة والكتابة حتى جدرانها تكاد تختفي من أرفف الكتب والمجلدات والجرائد والمجلات الحديثة والقديمة..
في منتصف الغرفة توجد طاولة يحاذيها كرسي واحد فقط، ويوجد على الطاولة فانوس كهربائي إلى جانب رزمة ورق أبيض وأقلام مختلفة الأحجام والأشكال، منها ما انتهى منه الحبر، ولكنه احتفظ به من أجل الذاكرة…
في أحد أركان الغرفة خزانة خشبية صغيرة يعلوها بكرج قهوة صغير لفنجان واحد، وحافظة بها قهوة وأخرى للسكر إلى جانب علبة شكولاتة بها كعك أعد في البيت…
إنها غرفة خاصة لا يدخلها إلا هو، حتى نظفتها؛ يقوم بتنظيفها ولا يسمح لأحد بالدخول إليها لأنها عالم خاص به لا يريد لأحد أن يشاركه فيها..
داخل الغرفة في منتصف الليل يطهو فنجان قهوته لتعبق رائحتها في الغرفة، ويضع قرب الفنجان كعكه وعلبة السجائر..
تنطلق رحلة الليل في تلك الغرفة، بداية برشفة قهوة وإشعال السيجارة، يكمي دخانها في صدور تم يخرجه إلى هواء الغرفة بعدها تأتي مرحلة أخد ورقة من الرزمة وإمساك القلم ومسح رأسه بيده..
يسرح محدق في مصباح إنارة الغرفة وكأنه لأول مرة يشاهده ويتأمل كثيرا في المصباح ثم تنزل عيناه على الورقة، ليضع القلم على الورقة وانهالت دموع القلم على تلك الورقة، ترسم أحرف وكلمات فحوها أحوال المدينة، أحزانها وأفراحها…
يرحل في غرفته وحيدا بين القلم والورقة ومرة بين الفنجان والسيجارة وأخرى بين المصباح وأرفف الكتب مع أخد جزء من الكعكه …
في منتصف الورقة كتب قصة شاب يجلس في إحدى جادات المدينة يعزف بجيتارة قديمة يمر الناس من أمامه وآخرون يجلسون حوله من أجل الاستماع إلى معزوفاته التي أسعدت وأبكت بعضهم …
جيتارة كتب عليها وشوق ورسومات أخرى تعطي لمشاهدها معنى الحياة والأمل مهما كانت الأحزان حولي في جزء من الجيتارة كتب كلمة ريشه ووتر وهنا أخدت القصة منعرج آخر…
الريشة تكون من طائر ولا يعلم أحد كيف أخدت من جسد الطائر، هل تم أخد جزء من ريشه وتركوه أم ذبحوه بعدها؟
كيف لريشة طائر مات وانتهت حياته أن تصبح مصدر سعادة للناس من خلال الإمساك بها والعزف بها على أوتار آلة مثل الجيتار في شوراع مدينة مليئة بأهلها والغرباء …
استطاع ذلك الشاب يوميا أن يجمع الناس بمختلف ألوانهم وأشكالهم على جيتاره، يسمعون رنة أوتارها ويشاهدون رسوماتها والكلمات التي كتبت عليها، وتلك اللحظات الممفعمة بالابتسامة والسعادة والأمل، بالرغم من قساوة المدينة …
قارب الوقت من الفجر ولازال يكتب ورزمة الورق في نقصان، مثل القهوة في الفنجان، وعلبة السجائر، ولا أثر للكعكة. هناك كومة من بقايا السجائر، ارتشف آخر من تبقى من القهوة وأطفأ السيجارة وغادر الغرفة بهدوء وتسلل الى غرفة النوم ونام حتى الصباح…
استيقظ من نومه ولايزال يرغب في النوم، ولكنه لا يستطيع النوم! في انتظاره يوم عمل، غادر البيت ومر على مقهى، أخد قهوته واتجه مسرعا إلى عمله وعرج على تلك الزاوية التي بها الشاب وجيتاره ورشف القهوة وحدق جيدا في تلك الجيتاره وما عليها من رسومات وكلمات ….
استمع مثل الآخرين الى رنات أوتار الجيتاره، اتجه مثل غيره إلى درب حياته في المدينة التي أسعدها الشاب بجيتاره ….