د.مصطفى بلقاسمي | الجزائر
في هذه القراءة الموجزة التي أخصّ بها ثلاثة نصوص شعرية عند الشاعر حسين عبروس المنشورة على صفحته الخاصة وهي :
– قصائد قصيرة للوطن.
– يد بمفردها.
– غناء في الغربة.
يحاول الشاعر الجزائري حسين عبروس أن يطرق باب الوطن من زوايا متعددة متنوّعة وذلك كما في نصّ “قصائد قصيرة للوطن” هذا النّص الذي يتضمن مقاطع شعرية قصيرة بلغة هادئة تنمو كلماتها في يسر وعمق مع مسحة من العتاب ووجع يتحدّ الذاتي بالموضوعي في تعانق آسر…الذاتي هنا يفصح عن حالة شاعر متوتر غير متكيّف مع واقعه يحمل أوجاعه الخاصة دون أن يترك أوجاع الوطن..
– وطني مربّع وجميل
والنّاس فيه تواريخ
وأشباح ظلّ نخيل
وطني هذا الذي يحتويني
حنينا
يراه الأدعياء فتيل
وأراني المقاتل فيه
والقتيلْ
إنّ التشكيل اللّغوي عند الشاعر يرسم الوطن في شكله الهندسي “المربع” الذي تحتوي ذلك الصراع المتداخل، الوطن هو الموضوعي بمواطنيه أبناء جلدة الشاعر، وحوارييه يشجيه غناؤه فيقدمونه قربانا لوجوده ليحترق ككلّ شاعر يحمل الوطن قضية وحده فيجد نفسه خارج دائرة زوايا المربع في ظلع خامس مستحيل الوجود وهو يقول:
-وطني مستطيل
وأنا ضلعه الخامس
المستحيل
ويواصل الشاعر الكتابة للوطن بلغة بأسلوب السهل الممتنع ليحقق بيسر أهمّ وظيفة للنّص الجمالي بفنيّة وبهدوء ساحر وليتأمل معي القارئ هذا المقطع الأخير الذي يتضمن الأمل المرجو من ذلك الوطن الذي يحتوي الشاعر رغم كلّ الوجع والمعاناة التي ينقل تفاصيلها
إلى القارئ وهو يقول:
– وطني يا سادتي
لا يمل الخطى
والخطاب
كلّما ضقت ذرعا
بأخطائه الكبرى
فتّح لي بالهوى
مليون باب
وخطّ فوق جبيني
الصّوابْ
وفي قصيدة ” يد بمفردها” يتحوّل الوطن عند الشاعر من تلك الرقعة الجغرافية المحددة المكان مسقط رأس الشاعر إلى ذلك الوطن الكبير المترامي الأطراف والمتعدد المعاناة والأهوال والأخطار وهو الوطن العربي الذي يئن تحت وطأة الخيبات السياسية المتعددة ،والذي لا يعبأ السياسي فيه بما يدور في بقية أجزاء الوطن الكبير “فلسطين”، وهو يختم نصّه بقوله: تلك أحجيّة من عدمْ هكذا تتجلّى نصه الموجع ببلاغة الوضوح وهي تشي بالواقع لتعريه وتنزع عنه بهرجة الكاذب.. وواقع الشتات ،والتجزئة للراهن المتآكل والتشاكس، فاليد هنا هي رمز للقوة وللوحدة لكنها للأسف ترفع في فلسطين يتيمة بل سند ولا أخوة لها ،ولا أصدقاء كلّ يواجه قدره ويموت وحده ،وقد سبق لي وأن وصفت هذه النصوص للشاعر حسين عبروس بأنّها فجائعية، وذات وخز لا أرى فيها ما يرى المعلقين من التفاؤل والابتهاج، ولكنه الألم المكتوم والبكاء الداخلي.. إنّه شعر العزف والأرض عن الواقع كلّ ما فيه ينبئ عن المزيد من الانهيار والتلاشي في الزمن العربي الرديء، فليس ثمة ما يغري بالفرح أو يدفع للحبور” يد تجزّ أناملها” إنّها الأمة العربية التي تأكل أبناءها، وتقطّع أناملها.. فأيّ عبثية وعدميّة هذه ؟ لك الله يا أمة الزمن الأخير.. يا خير أمة تقبع فيما بعد الذليل الأخير ولكم الله شعراءها الشهداء الأحياء.
– يد بمفردها
هل تحضن القلب
والرّوح والخفقات العذاب؟
يد بمفردها وتصلّي
على دمها في جنون الخراب
يد بمفردها
هذي الشعوب التي تتيه
في كلّ الشعاب
وتنحني فيي هبة الرّيح
مثقلة بالموت والهمّ
والأمنيات الصّعاب
يد بغير أصابعها
يد من الوهم لا تحتمي
مطلقا بالصّواب
يد بمفردها وترافع
في كلّ المنابر
قائلة: “لابدّ لليل أن ينجلي”
يد تجزّ أناملها
وتستلذّ البكاء
على قامة الموت
خلف الألم
تلك أحجيّة من عدمْ
وفي نص “غناء في الغربة ” يوغل الشاعر حسين عبروس في حسّ الاغتراب، ونبض الألم الذي يسري في كلّ نصوص الشاعر تقريبا، وهنا نجد اللغة تنحني وتسلس حتى تدلف منعطف السهل الممتنع، ولكن يبقى الوجع الخافت يشي بروح منهكة تبحث عن خلاص لا للشاعر ولكن لبلده ولا للمواطن ولكنه لوطنه..
النصّ هنا عند الشاعر يتجاوز عتبة الهموم الذاتية ليعانق الموضوعي، فالجرح أكبر من القضية الشخصية ..إنّها مأساة أمة، ويسترسل التشكيل اللغوي عند حسين عبروس هادئا يمنح النّص نموا ناعما يحفظ للعدوى الفنية حركيتها ،ويحميها من التسطيح ومن النثرية، فهل يمكننا أن نطلق على نصوص الشاعر حسين عبروس وصف ” القوّة الجمالية الناعمة”؟
أحسب ذلك.. وللقارئ المتبصّر الرأي في هذه القراءة.
-غنيت… غنيت الليالي
من كمدْ
غنيت جرحا في الدّنى
يا روعة الأحزان
في عمر البلدْ
ماذا يصير الآن لو غنى الأمدْ؟
ماذا يصير الآن لو يحيا البلدْ؟
اقرأ هنا قلبي تجد
وحدي الغريب
لا.. لا أحد
*
قد يهتدي قلبي هنا
نحو الذي صار الأحدْ
قد يهتدي عمري هنا
في المسلك المحزون
ما لمني جرح خلدْ
اقرأ هنا قلبي تجدْ
وحدي الغريب المتعب
لا.. لا بلدْ
*
يا شاعر الأحزان
في بحر المددْ
غن اشطائك الرفض الأبدْ
غن طيف الغريب الموثق الأسرار
في عمر البلدْ
إن عين االله ترعى بالهوى
عين الأبدْ
اقرأ علامات الوقوف القادم
في ليلك المرتد بالخوف
الذي أدمى الجَلَد
في فجر من أهدوك
كل الأبحر
كي تعبر الخوف الطويل
نحو البلاد الحلم
في عمر البلدْ
*
أنت الغريب المتعب الأنباء
في صحوي الجميل
يا موطني
أنت الرّدى من “غزة”
يا كلّما غنّت هنا “وهران”
في ليلي الغريق
اقرأ هنا قلبي تجدْ
بستان سري في المدى
حتما هنا يورق
لحنا على جرحي الدفين
قد يورق الآن الطريقْ
في عمر كلّ المواليد الجددْ
قد يورق الآن الأمدْ