من مقالات منتصف الليل (1)
الصدّيق الطيّب البخاري
من تأمّلاتي في مفردات اللّغة العربيّة، أدرك ما لعظمة هذه اللغة في البيان، لذلك خصّها الله بأن جعل أبلغ كتبه المنزّلة (القرآن العظيم) بلسانها ولتعميم الفائدة أورد الآتي:
– أنزل أفصح وأصدق كتبه بمفرداتها حيث يقول سبحانه وتعالى: [إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، سورة يوسف اية 2].
– وقوله عزّ من حكم: [بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ، سورة الشّعراء اية 195] وهو القران الكريم.
– وأنزله على خير خلقه وهو سيدنا محمد العربيّ الأمين عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم.
– فإن كانت الأمثلة كثيرة فإنّني في هذا المنشور حتى لا يطول أكتفي بذكر كلمتين بشكل مختصر، وهما كلمتان مشتقّتان من مصدر واحد ومتلازمتان في كثير من الأحيان ونقراهما دوما حيث وردتا في مطلع كلّ سورة في القرآن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ}.
– بعد المقدّمة نشرع فورا في الموضوع فأقول مستعينا بالله العليّ القدير وبسم الله الرّحمان الرّحيم:
– في كلّ تلاوة لكتابه الكريم سواء كانت قراءة أو صلاة أو تفسيرا، بل في كلّ شروع لأيّ شيء وبدايته نقول:
– {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ}.
– فلماذا أردف الله بعد ذكره (الرّحمان) صفة أخرى (الرّحيم) رغم كون الكلمتين مشتقّتين من مصدر واحد (الرّحمة)؟
– في الجواب أقول والله أعلم وأجلّ وهو خير معين:
– عند النّظر في هاتين الكلمتين المشتقّتين من مصدر واحد وهو (الرّحمة، الرّحم) نجد أنّ الأولى على وزن (فعلان) في الميزان الصّرفي، أمّا الأخرى فهي على وزن فعيل.
– فكلّ لفظ في هاته اللّغة يأتي على وزن فعلان يكون معناه أنّه محدود الصلاحيّة وينتهي معناه بانتهاء صلاحيّة وقوعه أيّ أنّه يختصّ في معناه بالماضي فقط من مثل قولنا:
– جوعان تنتهي صلاحيته بمجرّد الشّبع.
– نعسان ينتهي مفهومه بمجرّد النّوم.
– تعبان = بمجرّد الرّاحة.
– يقظان = بمجرّد النّوم.
– فرحان = بمجرّد انتهائه.
– بردان = مجرّد الدفء.
– حيران = مجرّد وجود الحلّ.
– سرحان = مجرّد الرّجوع للحقّ.
– الى آخره من هذه المشتقّات على وزن فعلان.
–
– ***
– أمّا أيّ معنى في مفردات هاته اللّغة وجاء على وزن فعيل فإنّه يختصّ في معناه بأنّه يحمل صفة الماضي والحاضر وحتّ المستقبل من حيث أنّ هذا الوصف صفة ملازمة له.
– من مثل قولنا:
– شريف فهو يحمل صفتها قديما وحديثا ومستقبلا.
– أصيل = من صفاته الملازمة له.
– صديق = يعرف من تجارب عليه.
– خبير = ممّا ظهر عليه وبعد اختباره.
– عليم = وضح عليه.
– عزيز = بعد اختباره.
– حكيم = بعد أحكامه.
– رفيق = بعد تجربته.
– لطيف = بعد امتحانه.
– سميع = بعد رؤيته.
– الى أخر ذلك من هذه المفردات اللّغوية التي جاءت مشتقّة على وزن فعيل من مصادرها.
– لذلك حرصا من الله العزيز الحكيم لكي لا يحزن العبد المؤمن به المخلص له من انتهاء رحمته بانقضاء سببها فأردف صيغة أخرى للرّحمة (الرّحيم) ليطمئنه بدوامها فهي من صفاته الملازمة له للأبد وليست مربوطة بزمن كما هي صيغة (الرّحمن).
– فهو عزّ وجلّ (الرّحيم) دوما وليس فقط (رحمان) به في وقت حاجته له، إنّما هو أرحم له من أمّه وأبيه وصاحبته وبنيه، لأنّها من صفته الأبديّة الدّائمة، والله أعلم.
– جعلنا الله وإيّاكم ممن ينعمون برحمته الواسعة، وممن يستظلّون بظلّه يوم لا ظلّ فيه الاّ ظلّه.
السّلام ختام.
2 تعليقات
مقال موفق ينم عن دقة في التأمل وطريقة مبدعة في التناول وسبر أغوار المفردات والغوص في معانيها الدقيقة .
نشكر مرورك الكريم