عبدالمطلب أبوسالم
وسعاية قوس الرخام (مخزن الرخام) هي الفضاء الرحب لمحلة باب بحر المطلة على المرسى بمدينة طرابلس العتيقة الذي يضم العشرات من المعالم التاريخية العتيقة بشكله الحالي نتيجة التدخلات الايطالية في ثلاثينيات القرن الماضي.
على مر القرون التي خلت كان النسيج المعماري متداخل حتى أصبح قوس النصر الطرابلسي الروماني ملاصق للمباني المجاورة له وهذا الأمر رغم عدم قبوله لكنه حافظ على هذا المعلم الوحيد لزمن الحقبة الرومانية من عوامل المناخية نتيجة القرب من البحر.
في فبراير 1912 قامت السلطات الإيطالية بشراء المباني الملاصقة للقوس من عائلة القرقني وذلك للشروع في أعمال الحفر والتنقيب للمنسوب الحقيقي والترميم تمهيداً لإبراز هذا المعلم الروماني.
أثناء عملية الترميم الأولى استغرقت ست سنوات وانتهت في بداية شهر يوليو 1918 (الصورة المرفقة) ووضعت له مظلة مربعة خشبية لحمايته وحرم أثري لا يتعدى الاربعة أمتار من كل جانب. ومع ذلك برز بعض الايطاليين المعترضين على هدم المباني المجاورة أمثال فرانشسكو كورو.
في ثلاثينيات ظهر مخطط لتطوير وسعاية القوس وأظهارها بالشكل الذي يلبي رغبة الفاشية وهدم المزيد من المباني التاريخية مثل فندق القرمانلي (مكان نادي باب بحر حالياً) وواجهة فندق بنت السيد والمباني الواقعة بين جامع قرجي والقوس وبقي فقط جامع سيدي عبدالوهاب الذي كان مزمع هدمه ايضا ودافع دي فاوستو على بقاءه.
صاحب المشروع هو المعماري الشهير فلوريسانتو ذي فاوستو الذي أراد فضاء واسعاً مفتوحاً للقوس على حساب المباني التاريخية ذات القيمة العالية وهو الحرم الحالي للقوس بالمنسوب الطبيعي للقوس.
أنجز المشروع فعلاً وأفتتحه رئيس الحكومة الفاشية موسيليني في مارس 1937 م وأصبح من المسلمات طالما نفذته إيطاليا.
لم نسمع منذ ذلك التاريخ نقداً لهذا العمل بل بالعكس لاقى هذا العمل الاستحسان والقبول من غالبية الليبيين ولما لا طالما العمل نفذته إيطاليا!
أثناء عملية الحفر وجدت بعض الآثار والتي ظلت مبعثرة بين القوس وجامع قرجي. كما شيد سور يفصل منسوب الحرم المستحدث للقوس عن منسوب المدينة الذي يرتفع قرابة 2.5 م.
مع دخول القوات البريطانية لطرابلس قامت بنقل بعض القطع الاثرية من القوس التي عليها كتابة إلى بريطانيا ولم نسمع من يطالب باسترجاعها.
مع مرور الزمن تضرر القوس ناحية البحر وأزيل الغطاء الخشبي وجدد السور بعد ذلك فهو ليس بسور تاريخي وليس له قيمة أثرية أصلا.
الملفت في الأمر وفي السنوات العشر الأخيرة تم استخدام حرم القوس وتحديداً تحت القبة في المناسبات والاحتفالات مئات المرات ومن النادر أن تسمع منتقداً، ويصل عدد الكراسي إلى المئة والمئتين.
للأسف استخدمت مادة الإسمنت الابيض في ملئ الفجوات والشقوق بين قطع الرخام المكونة للقوس وتم تليس دروته أيضا منذ بضع سنين واعترضنا على ذلك وقمنا نحن مؤسسة التراث الطرابلسي بتنظيم محاضرة حول استخدام الأمثل للمواد وألقاها المرحوم الاستاذ عزمي أبوشويرب المتخصص في كيمياء مواد البناء وكان الحضور هزيلاً جداً ومتواضع ولم نسمع من يستنكر في ذلك الوقت هذا الفعل غير المهني.
الحرم الأثري للمعالم داخل المدن المسكونة حدد بأمتار وسمح للجهات المختصة تقدير ذلك ومع ذلك وللأسف المئات من المعالم التاريخية هدمت في بلادنا في شرقها وغربها وجنوبها ولا حياة لمن تنادي والحبل على الجرار كما يقولون.
في الآونة الأخيرة ومنذ أسابيع طرح مشروع توظيف المساحة الواقعة بين جامع قرجي والقوس والتي للأسف كانت مهملة بها أشجار وقطع أثرية مبعثرة ومتناثرة مهملة ايضا. في البداية تمت تهيئة الجدار الشرقي المجاور لمطعم الآثار والمقابل لفندق زميت وجمعت كل القطع الأثرية بشكل منظم ونأمل أن يتم تركيبها كالجدارية وهو عمل رائع يحفظ هذه القطع الأثرية.
ووضعت فكرة لوضع مدرج روماني من ست درجات مكان السور الذي يشكل أصلا قوس نصف دائري ويفصل المنسوبين ويبعد عن القوس مسافة أكثر من عشرة أمتار.
هذا المقترح هو أفضل من وضع الكراسي تحت وبجوار القوس الأثري الذي من المفترض هو محور الاهتمام والعناية وليس السور الحديث الذي يحفظ فرق المنسوب وليس له قيمة تاريخية.
قمنا بتسجيل قوس ماركوس في العام 2020 ضمن قائمة التراث في العالم الإسلامي بمنظمة الإيسيسكو ونعي جيدا أهمية الحفاظ عليه رغم مطالبتنا مرار وتكرار بتعلق لوحة له تبرز رقم التسجيل لحمايته وفق القانون رقم 3 للعام 1994م ونحن كلنا ثقة في الفريق الفني بمراقبة آثار طرابلس وجهاز إدارة المدينة القديمة طرابلس ولمسنا منهم حرصهم الشديد على المحافظة على هذه المدينة واجتهادهم في ذلك رغم قلة الكوادر البشرية الليبية المتدربة في هذا المجال وخصوصا الترميم وأفضل من حالة مشاهدته ينهار او يهدم مثلما حدث للكثير من المباني داخل المدينة القديمة .
من الجميل زيادة الاهتمام والوعي بالمحافظة على الموروث الثقافي المادي سواء آثار او مباني تاريخية والأجمل هو عدم الكيل بمكيالين وكأن طرابلس وضع القانون لها هي فقط ليطبق فيها فقط.
من خلال المناقشات مع القائمين والمشرفين على العمل طرح عودة الغطاء الخشبي فوق القوس والأهم هو التركيز على الترميم للقوس وليس مدرج يمكن إزالته في أي وقت ولا يمثل أي ضرر للقوس بالعكس هو بديل لاستخدام ارضية تحت القوس للاحتفالات التي لم يعارضها أحد فيما سبق.
2 تعليقات
الكتابة عن أهمية وأثرية هذا القوس ليست بجديدة، فهناك كتاب ضخم أصدرته “مصلحة الآثار الليبية” منذ 1969 كالملحق الثالث لمجلتها “ليبيا القديمة” يضم كل التفاصيل عن تاريخ وأثرية هذا القوس
نشكر مرورك الكريم وإضافتك المميزة