شعر

التسلّلُ إلى نافذتِهَا

إلى: طرابلس

من أعمال التشكيلي بشير حمودة
من أعمال التشكيلي بشير حمودة

(1)
هو الشوقُ أهَّـلني لارتيادِ المسافاتِ، أشْعـلني بالجنونِ، وأرسلني مُتْرعاً في طرابلس مُبتدعاً لغةً للتواصُل بيني وبين أزقّتِها.
ثمّة الآن ما أشتكيه من الوَّجدِ أيتها المُشتَهاةُ، وثمّة ما يحزنُ القلب،
مرهقةٌ هي حُمَّى القصائدِ في الزمن الصعب،
والشِعرُ يفلتُ منِّي كَمُنْزَلِقِ الماءِ بين الأصابع ..


(2)
حلّقتُ منسرباً في المدى،
فتلبَّستْنِي بهَوىّ كأنشطارِ المِجَرَّةِ أو كالتفتُّح في وردةٍ،
مَنْ يُشاطرني في التوحُّدِ هذا الهوى؟
إِذْ أهيمُ بعينيكِ أرتجُّ،
يصبحُ للشِّعر سيفٌ يسلِّطُهُ فوق رأسي،
ولاَ مَهربَ الآنَ مما أفيضُ به،
لا هُروبَ،
لَمَّا تَنَاثَرْتِ همًّا على تمتماتي هرعتُ إليكِ صبياً يُكَفْكِفُ دمعته، وجلستُ على فخذكِ المتمدَّدِ عند نهاية “سوق المُشير”(1) ومبتدأ البحر أرقبُ دكانةً للزَّغاريد، حاولتُ -منبهراً- أنْ أعُـدَّ صدى الطَّرقات،
ولكنّها تتداخلُ كالراقصين،
تفرّستُ فيهم،
هم الواقفون تصارعُ أذرعُهُم كُتلَ الَّنار في دُرْبَةٍ، والأيادي استباحتْ تضاريسَها لَسعاتُ النُحاسِ المُذابِ،
ولكنني خِفتُ لما رأيتُ النبوءَةَ نائمةً تحت أجفانهم،
ذكرتني بِهَمِّ القصائدِ والسيفِ،
لاحقني السيفُ حتى استجبتُ لهمسِ الأزقّةِ لي بالتفجُّرِ،
فاستَلَبَتْنِي نصاعةُ أرديةِ العرسِ والحائكين،
(ونحنُ،
متى عُرسُنَا؟)
لكِ رائحةُ الحلمِ والبحرِ والفتياتِ الصغيرات، رائحةٌ كالقرنفل،
كَالأغنيات الشجيِّةِ،
أو كَارْتِجَافِ المُحِبِّينَ،
سَألتُ نفسي:
لماذا تأخَّر هذا اللقاءُ العظيمُ، وما فَتِئتْ قدمايَ تفتشُ في مدنِ الأرضِ عنكِ، وعن مواطنٍ للوصالِ،
تلمَّستُ قلبكِ في غفلةٍ من عيون الحرسْ،
يا لِدَمْدَمَةِ، الَّنبضِ بالعافيهْ ..!
باهرةُ الحُسْنِ يا مَنْ تسيرينَ محفوفةً بالولاداتِ،
أُنَاديكِ: إنِّي أُحِبُّكِ من غورِ هذا النُّـتُوءِ الكريهِ، وأَصْرخُ:
باسلةٌ أنتِ أيتها المُتوِّردُ في وجنتيها دَمِ ي ..


طرابلس 11 مايو 1981



(1) سوق المشير أحد أهم الأسواق التقليدية في طرابلس منهذ عهد الاحتلال العثماني
المصدر: العناق على مرمى الدم، إدريس ابن الطيب، الدار العربية للكتاب، 1991، ص22-23

مقالات ذات علاقة

وجـع

حليمة العائب

نام القمر

المشرف العام

لماذا لم أغلق عيون الذين قتلتهم؟

سراج الدين الورفلي

اترك تعليق