في زماننا كانت غرفة الجدة كمغارة علي بابا فيها كل شيء وكان المحظوظ منا من تختاره ليبيت ليلة عندها وكنا نغار من بنات عمتي لأن لهن النصيب الأكبر فيها، عندما أدخل اليها في صغري كنتُ أحاول اكتشاف كل شيء فيها، أن أعرف أين مكان جلوس جدتي ذاك اليوم لأرتبه قبل دخولها وأن أفتح النافذة وأرتب السرير بسرعة ويجب ألا أدوس على المراتب حتى تفسد حشواتها وأن أعرف أن تضع جدتي كيس الكعك قبل حضور جارتنا لأظهر بمظهر البنت المؤدبة وأن أمنع الأطفال من دخولها بأحذيتهم منعاً باتاً أو أن يأكلوا أي شيء داخلها.
تخصص جدتي يوم الجمعة لتنظيف الغرفة وإعادة ترتيبها وتقوم بتغيير ديكورها بين الحين والاخر تضع ستارة على النافذة وبجوارها السرير وكانت كل المتعة في النوم عليه ليلاً خصوصا وأنها تزرع أعواد عطر وأزهار مختلفة في الجهة الأخرى.
أما عندما تفتح خزانتها فهنا تبدأ متعتي، عطور مختلفة تنبعث منها وكانت تخصص كل جزء لنوع من الأغراض ، الوسائد والأغطية في جهة تضع معها قطع صابون لتعطيرها، ملابسها وأشيائها في أخرى تعبق بها رائحة القرنفل وعلى أحد أبوابها من الداخل تلصق صورة عمر المختار وجمال عبد الناصر لم أكن أعرف سر تعلقها بالصورتين ولم أسألها عن السبب ولكن وجود الصورتين شغل جزءا من تفكيري ولم أعرف كيف كانت تعرف قصة جمال عبدالناصر و هي السيدة الأمية التي لا تعرف عنوان المجلة في أعلى صفحة الغلاف.
بعد وفاتها لم أتجرأ على دخول بيتها لسنوات فكيف أن أجد قدرة على غرفتها، وعندما أجبرتُ على الدخول أدهشني المشهد فلم أجد الخزانة والسرير ولم تأخذني تلك الرائحة القديمة، تغير المكان إلى صالة كبيرة لاستقبال الضيوف وبدل مراتبنا القديمة صارت هناك جلسة رسمية بصالونات مرتفعة وسجادة في منتصفها، لم أجد ستارة جدتي الشفافة واستبدلت بستارة سيدار بطبقات ثم ان في زمن مضى كان مذياعها يصل صوته لبيت الجيران بأغانيه الصباحية اليوم صارت شاشة بلازما تعرض مسلسل تركي.
من منا لا يملك غرفة جدة في قبله وعقله يحتفظ فيها بكثير من الأشياء التي لا يرغب للبقية أن يصلوا إليها.